وتلك الأيــام .. ولكنه طيب

> صالح حسين الفردي:

> فجأة ودون مقدمات دبّت الحياة في مفاصل وأروقة المؤسسة الحكومية الكبيرة، وبدأت الأقاويل تتناثر عن القادم الجديد الذي سيشغل الفراغ الذي تركه رئيس القسم السابق بعد ذهابه إلى المعاش، وهو القسم الذي يتحكم في دهاليز وخفايا المؤسسة، وتصب عنده ومنه كل الامتيازات والبدلات والإكراميات (والذي منه)، كما تهب منه رياح السموم لكل من تسول له نفسه البقاء بعيداً عن دوائر الفساد والإفساد الضيقة التي صنعها في سنوات عديدة الصف القيادي الأول لتلك المؤسسة، فكان هذا الحدث يحمل في معناه لغير المرضي عنهم فرصة جديدة لاختبار نوايا القيادة وتوجهاتها القادمة، ومدى جديتها في التغيير، والتوقف عن السير في تلك الدهاليز التي خبرها المنتسبون لتلك المؤسسة، في حين كان الحدث يمثل في الاتجاه المعاكس خطراً لابد من احتوائه والوقوف في وجه أي تغيير مفاجئ غير محسوب النتاتج والعواقب، خاصة إذا ما جاء بقرار فوقي ، لذا كان لابد من التحرك السريع (لملءالفراغ)من خلال التعامل الحاسم مع هذا الفراغ .

ولأن الحدث له تداعياته على الممسكين بخناق المؤسسة (الشافطين) لكل رحيقها، تداعوا للقاء تشاوري يقفون فيه عند البدائل المتاحة، وبدأ كل منهم يرمي مرشحه لتبوؤ هذا الموقع، مستعرضاً الإمكانيات العلمية، ناثراً بلغة عاطفية التراكمات المعرفية والإدارية التي يمتلكها مرشحه المزعوم، وبقي رئيس مجلس إدارة المؤسسة صامتاً منصتاً لنوابه المخلصين الذين اختارهم (على الفرازة) كما يقال، علّ أحدهم يرمي بالعبارة السحرية التي ينتفي بعدها كل حديث، ويرفع الاجتماع وتنتهي الأزمة التي أوقعهم فيها فقدانهم رئيس القسم المحال إلى المعاش دون أن يهيئ بديلاً عنه في فترته الأخيرة، وقد كان في ذلك ينفذ الخطة المتفق عليها من الجميع، التي تقتضي عدم البوح بأسرار العمل المتفق عليها، وأن يظل كتاب فك شفراتها لديهم فقط، لذا كان الحاضرون لهذا اللقاء التشاوري غير قادرين على تحديد مواصفات البديل القادم، فبقيت المميزات والخبرات التي تلقى هنا وهناك محل ممانعة شديدة من قبل الرجل الأول في المؤسسة، عندها خطر على ذهن أحد نوابه - وقد كان أكثرهم قرباً- إحدى الشخصيات التي عرف عنها حبها للتسلق ورغبتها في الوصول بأي ثمن، دون امتلاكه أي مواصفات خاصة بالموقع الجديد، باختصار (ماشي في كوره)، فبدأ النائب المقرب يكيل المديح على مرشحه الفلتة الذي سيخرجهم من دوامة الحيرة والقلق على مستقبل المؤسسة، وسيكون سداً منيعاً لكل محاولة تسلل خفية قد يلعبها الحاقدون المغرضون (الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب)، وعند إطالة النائب سرده عن الضيف القادم إليهم سأله بحزم رئيس مجلس الإدارة :

سمعنا .. كل اللي تقوله ما هو مهم، كيف الرجال بس ؟!

هنا أردف نائبه سريعاً :

الرجال طيب، ولا با ياذيك وبا يشمي كل شيءء..

هذا هو الرجل المطلوب .

وفي لمح البصر عمّم القرار الإداري على كل دوائر وأقسام المؤسسة، فنزل على الجميع كالصاعقة، والغريب في الأمر أن الكل بقي يردد :

ولكنه طيب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى