الــــزمـــن

> عبدالقوي الأشول:

> يقول العالم (ستيفن هونكغ) في كتابه (تاريخ موجز للزمن): « نحن نستطيع أن نتذكر الماضي، ونستعيد صور الأحداث التي جرت فيه، لكننا لانستطيع أن نتذكر المستقبل، وهذه الحقيقة إحدى الأساسيات لتحديد مفهوم الزمن واتجاهه، فالزمن ظاهره ينقسم إلى ماض ومستقبل، الماضي هو الجزء الذي نستطيع أن نراه وأن نتذكره، والمستقبل هو الجزء الذي لانراه ولانتذكره. والزمن يسير باتجاه من الماضي إلى المستقبل.. اتجاه مرتبط مباشرة بالقدرات العقلية للإنسان».

وبين الماضي والمستقبل تكون فصول حياتنا البشرية المليئة بالأحداث والمفاجآت الحزينة والسارة، حال ربما يمثل تصديقا لقول الشاعر العربي الذي لايحضرني اسمه:

سعادة المرء في السراء وإن رجحت ** وللعدل أن يتساوى الهم والجذل

أي إننا نكون في مرحلة سعادة حقيقية في تلك المرحلة اللحظية التي تعقب الولادة، ونحن في أقماط السرى الذي نسجت عشه الدافئ آمهاتنا، أما حين نتخطى ذلك وندلف في مراحل العمر بفصولها المتدرجة، فإن نسبة سعادتنا ضئيلة للغاية بما يوحي بقمة العدل، لو أن هناك تعادلا بين الفرح والحزن، وهو لايكون إلا في حدود دنيا، بمعنى أن حجم آلامنا وأحزاننا تبدو الأرجح على الدوام، وتلك هي صفة الشقاء الإنساني المقترن بالسعي من أجل الوفاء بهذا الأمر الرباني، أعني إعمار الكون.

عطاء نبدو معه متفاوتين أيضا، وربما نكون الحلقة الأضعف في سلسلة العطاء البشري، رغم أن رسالة السماء التي خص بها الخالق أمتنا، أعني تصديقا لقوله تعالى:

«كنتم خير أمة أخرجت للناس» بديهية كان ومايزال لها عميق الأثر في نفوسنا ونفوس الأجيال من أصلاب هذه الأمة العظيمة التي لاتجد تعليلا منطقيا لهذا الانزواء، وربما التردي الذي لايليق بمجدنا وتاريخنا وديانتنا السمحاء.

وحين نستقبل عاما ونودع ماقبله، نكون قد اذخرنا لغدنا الآتي جملة مصاعب ومعضلات جديدة شديدة الوطأة على النفس، مثبطة للهمم باعثة على الأسى من رحلة تيه لايبدو لها أفق ولاشاطئ قريب، بعد أن بدت ساحة حياتنا وحياة شعوبنا مسرحا لخلافات لاتنتهي، نبدو معها ممتنين للقدر بأن منحنا عيش اللحظة التي لاندري إلى ما ترمي خلفياتها بكل مافي مجاهيلها من تكهنات، لاتنبىء إلا بما هو أشد وأمضى أثرا على النفس البشرية.

قضايانا كثيرة، وأمانينا بائسة، وقدرنا مجهول.

أمور ليس للزمن فيها يد.. لأننا أبعد من المشاركة والحضور في قلب الزمن والعصر الذي ننتمي إليه ولاننتمي.

نقف على الأطلال كما ناجاها الأقدمون.. لكننا لانمتلك جرأة الأقدمين منا ويأسهم.

نشير إلى مواضع مآثر الأجداد، ولانستمد من كل ماسلف عبرة ودافع.

فهل ياترى تمثل لنا وقفات الأعمار المنسلخة من رزنامة الحياة شيئا؟ الأمر المنطقي إزاء ماسلف ألا نكون مسلّمين بالهزيمة، لأننا أمة موعودة من الخالق بالتجدد.. وبقاء الخير فيها حتى آخر لحظة كونية، مايدعونا للتفاؤل، وبث روح الأمل، وخوض معركتنا مع الحياة مهما كانت الصعوبات والمشاق. والصورة بالطبع ليست حالكة السواد إلى درجة العدمية، فومضات وإشرقات الذات الإنسانية على أكثر من صعيد، والأمم تظل- دون شك- قادرة مع دورات الزمن على أن تهب لنا من بين صفوفها البشرية من على أيديهم تتخلق معالم الطريق، بما يشير أن ساحة الحياة مفتوحة على احتمالات عدة، وبقوة فعلنا وحضورنا ويقين الأمل الذي نرسمه حلما في مخيلاتنا.

نكون أقدر في الولوج عبر هذه البوابة السرمدية إلى آفاق حياة تليق بإنسانيتنا وآدميتنا، متخطين مايحيط بنا من آلام وأوجاع، وتباينات تنجلي سحابتها، بمجرد أن نخلص النيات تجاه بعضنا بما يحقق الوفاق الاجتماعي الذي يتيح لنا أن نكون أمة حاضرة، غير قابلة للإلغاء، متجددة تحت سماء الكون.. بعدّها وعديدها، بخيراتها الوافرة، أمة مدعومة بتاريخها الثري، ومشاركتها الإنسانية الحضارية في سلسلة الحضارة البشرية.. بكل مابلغت في عصرنا الراهن من غايات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى