> تزخر مديرية ساه بمحافظة حضرموت كغيرها من مناطق وادي حضرموت بموروث شعبي كبير، وللاحتفال بالعيد في السابق نكهة خاصة إلا أن تقادم السنين وصروف الدهر أزالت شيئا من هذه النكهة، فكادت بعض الألعاب الشعبية التي تؤدى في المناسبات الدينية أن تختفي في كثير من أحياء المديرية، بينما ظلت بعض الأحياء تحافظ عليها قدر استطاعتها، وشهد الاحتفال هذا العام اهتماما كبيرا من بعض الشخصيات الاجتماعية، ولعبت اللجان الشعبية في الأحياء دورا كبيرا في إعادة الرونق الجميل لاحتفالات العيد، ومن أشهر الألعاب الشعبية في مديرية ساه الزامل والخابة والبرعة والحفة، وتؤدى هذه الألعاب بطرق مختلفة سنتعرف عليها في ثنايا هذا الاستطلاع.

تبدأ مراسم الاحتفال بعيد الأضحى المبارك في مديرية ساه من يوم مزدلفة وأول هذه الطقوس العيدية مايسمى بالمد، ففي هذا العام أعيد إحياء هذه العادة التي اختفت لعشرات السنين. الأستاذ محمد صالح بافضل أحد المهتمين بإحياء التراث في المديرية يحدثنا عن المد:«في مزدلفة تجمع المدود (جمع مد) وهي عبارة عن مبلغ من المال يدفعه كل شخص يرغب في المشاركة والصعود للجبل، وبهذه المبالغ يتم شراء الأغنام التي تذبح وتوزع لحومها على المشاركين، حيث يقوم الشباب والأطفال بالصعود إلى الجبل مرددين الأهازيج الخاصة بذلك على دقات الطبول ونغمات المزمار، وبعد توزيع اللحم يقوم كل شخص بعملية الشواء لهذا اللحم وأكله في الجبل، ويجلسون إلى وقت العصر، بعد ذلك يخرجون مرددين الأهازيج مثلما هم عليه في عملية الصعود, وللحفاظ على هذه العادات والتقاليد وتطويرها نتمنى من السلطة المحلية أن تنشئ مكتبا يعنى بشؤون الثقافة والإعلام، ويكون من مهام هذا المكتب الحفاظ على هذه العادات وتطويرها».

هناك العديد من الألعاب الشعبية التي تقام في مناسبات الأعياد، ولكن تبقى الخابة والبرعة والحفة من أشهرها. الشاعر عيظة سعيد بن حليمان يوضح هذه الألعاب وكيفية تأديتها:« تبدأ الألعاب الشعبية من يوم مزدلفة، وبعد صلاة العيد يقام الزامل حيث يقف المشاركون في الزامل في خط مستقيم منقسمين إلى قسمين وعندما يدخل الشاعر لإلقاء قصيدته يتجه إلى كل قسم من المشاركين وإعطائهم شطرا من بيت القصيدة حيث يقومون بترديده بعده، وعندما يدخل شاعر آخر تقوم كل مجموعة بالصلقة وهي صوت خاص يصدر عن كل مجموعة (جابر غلابة كم من قبيلي كسرنا نابه والبوهمدان) وبعد صلاة العصر تقام الخابه وتطلق الخابه على تكوين المشاركين في مجموعة واحدة بصورة مستطيلة من مختلف الأعمار في مكان خاص ويرددون أبياتا شعرية على نغمات المزمار ودقات الطبول ممسكين في أيديهم بعيدان يلوحون بها بصورة جميلة، وبعد أن يصلوا إلى مكان فسيح ينتظمون في شكل دائري مرددين الأهازيج، وتستمر فتره ثم تبدأ بعدها لعبة البرعة التي يجتمع فيها المشاركون بصورة دائرية فيها صفوف، كل صف من أربعه إلى خمسة أشخاص حسب كثافة المشاركين، وتأتي بعد البرعة الحفة، والحفة اجتماع المشاركين على شكل دائري أيضا كل شخص إلى جانب الآخر، وهي لعبه مكملة للبرعة، وتتغير فيها إيقاعات الطبول ونغمات المزمار ويتواجد داخل دائرة الحفة من اثنين إلى أربعة أشخاص يؤدون حركات جميلة ويعملون على بث روح الحماس في المشاركين في الدائرة.

ومن أنواع الألعاب الشعبية الزف وهي لعبة منتشرة في كثير من مناطق وادي حضرموت، ولها إيقاع خاص، حيث يقف المشاركون بشكل مستقيم وينقسمون إلى قسمين يفصل كل قسم عن الآخر الطبال، ويقوم الشعراء بإلقاء القصائد على المجموعتين حيث يعطي كل قسم شطرا من بيت القصيدة ليقوموا بترديده».

كما تحدث الأخ عبد الله محمد محضار بن الشيخ أبوبكر أحد الشخصيات الاجتماعية المهتمة بإحياء التراث والمحافظة عليه:«بحسب الموقع الجغرافي لمديرية ساه كحلقة وصل بين ساحل ووادي حضرموت تجد أن العادات والتقاليد تأخذ شيئا من التنوع، فعلى سبيل المثال الدان في ساه عبارة عن خليط من الدان في الساحل والوادي, العيد في الماضي كان يأخذ زخما أكبر مما هو موجود الآن، لكن العيد هذه السنة خرج بثوب قشيب، من خلال اهتمام الشخصيات الاجتماعية في المنطقة بإحياء التراث ولاننسى دور اللجان الشعبية، نتمنى ديمومة هذه الاحتفالات وترتيبها مثل ما كانت عليه في الماضي، كما أحب أن أشير إلى أن من أهم مهام السلطة المحلية بالمديرية أن تهتم بالعادات والتقاليد، وتقدم لها الدعم المادي والمعنوي، وخلق نقلة نوعية لهذا التراث، فالإمكانيات متاحة جدا ولله الحمد، ومديرية ساه غنية بشبابها ورجالها الذين بدأوا يتشربون الأفراح التي كان يمارسها الآباء، فالجيل الجديد عليه أن يعي هذه العادات ويعمل على الحفاظ عليها وأحيائها.