إبن الوهط «كلاي» الفارس الذي ترجل

> «الأيام الرياضي» عدنان محسن السقاف:

> عرفته منذ مطلع، شبابه قبل أكثر من أربعة عقود من الزمن، كمثال للشباب الطموح والمثابر، معتمداً على بناء شخصيته المتميزة، بأفكار وأحاسيس الرياضي الشغوف بالرياضة البدنية، وبالأخص بلعبة رياضية نادرة؛ إن لم نقل هي أصلاً معدومة، وليس لها وجود بين أوساط الشباب في سلطنة لحج بحواضرها وريفها، ألا وهي لعبة«الملاكمة» التي استهوته أثناء مرحلة دراسته المتقدمة، تم التحاقه بالوظيفة في «مستعمرة عدن»، والتي كان لها أثر على تحسن أحواله المادية، فشيد في مسقط رأسه«الوهط»منزلاً مستقلاً عن سكن الأسرة،سرعان ما حوله إلى ما يشبه مركز تدريب للعبة الملاكمة، ليجذب أنظار كل شباب البلدة، التي عرفت الكثير من الأنشطة والألعاب الرياضية، التي كان لإبن مصر عبدالناصر الأستاذ القدير (عزت مصطفى منصور) الفضل والريادة في التعريف بها، وتدريب شباب الوهط على ممارستها،إلا لعبة «الملاكمة» التي جاء بها«محمد عبدالهادي علي الفقيه»، وكان ذلك في زمن تألق الملاكم الأمريكي المسلم«محمد علي كلاي»، وكان تلفزيون عدن يقوم بنقل مبارياته ويتابعها بعض أبناء الوهط بعدد محدود من أجهزة التلفزيون، لعدم وجود الإنارة بالكهرباء في الوهط في تلك الفترة.

وبدأ إبن عبدالهادي«محمد» يأخذ شهرته بإسم «كلاي» بسبب ممارسته للملاكمة وبشرته السمراء أيضاً، وأصبح هذا الإسم ملازماً لإسمه منذ ذلك الحين، وكان قدر هذا الشاب أن ينضوي في إطار الحركة الوطنية، كأحد المناضلين المرتبطين بالتنظيم الشعبي للقوى الثورية لجبهة التحرير، ليقوم بأدوار رجولية مشرفة مع زملائه ورفاق دربه، حتى عصفت بهم الأحداث للنزوح إلى شمال الوطن قبيل الاستقلال الوطني المجيد.

وبحسه الرياضي وطبيعة شخصيته الجادة والمنضبطة، كان أكثر وعياً بالواقع الجديد الذي آل إليه مصيره، ومصير الآلاف من إخوانه المناضلين، ولذلك لم يستكن أو يستسلم بهذا الواقع المرير ليجد من حدث مشاركته وإخوانه من مقاتلي جبهة التحرير في معركة «نقيل يسلح» لفك الحصار عن صنعاء عام 1968م، انطلاقة جديدة لشق طريقه في ميدان الشرف العسكري؛خاصة وأنه يتمتع بالعديد من الشروط والخصائص، بدءاًمن السن المناسب، وإجادته للغة الإنجليزية،مع توفر المؤهل المتقدم قياساً بالمؤهلات لمن كانت تشترط للقبول بالكلية الحربية، إضافة إلى لياقته الرياضية كملاكم، وممارس لرياضة الجري للمسافات الطويلة، وابتعاده عن التدخين، أو تعاطي القات، كان له أثراً واضحاً على حالته الصحية والجسدية، ولذلك كان التحاقه بالكلية الحربية «مصنع الرجال»، أمراً ميسراً بكل المقاييس، ليكون له الشرف مع زملائه من طلاب الكلية الحربية في تأمين الحماية على العاصمة «صنعاء»، والمشاركة مع زملائهم من أبطال القوات المسلحة والأمن والمقاومة بالتصدي لهجمات فلول القوى الرجعية من الملكيين وأعوانهم.. ليزداد ابن عبدالهادي قوة وعزيمة فوق ما جبل عليه من صفات إنسانية، أساسها التواضع والمحبة والود والإخلاص لكل أبناء منطقته ورفاقه في النضال والتشرد، ولذلك كان كلما حلت مناسبة يمنح فيها طلاب الكلية إجازة لبضعة أيام، سرعان ما يحزم حقائبه ويتوجه إلى تعز ليكون محطته منزلنا ليقضي تلك الأيام بيننا.

وكان الوالد «رحمه الله» يرى في كل أبناء الوهط إخوة لنا، وبالمثل كانوا هم أيضاً يرون في منزلنا ما يعوضهم عن فراق أهلهم وأقاربهم، وكانت الأعياد والمناسبات فرصة لتجمعنا بهم، لنتقاسم وإياهم لقمة العيش ونتبادل معهم الأحاديث والأخبار بحلوها ومرها.

وبعد تخرجه من الكلية الحربية، انتقل إلى قصر سعدان بمدينة «حجة» ليلتحق بالعمل تحت إمرة القائد الشيخ الشهيد مجاهد أبو شوارب، الذي كانت علاقته به كعلاقة الأب بإبنه، وكذلك مع اللواء علي محمد صلاح، وظل التواصل قائماً بيننا بالمراسلة أو الزيارة لسنوات عديدة.

وفي مرحلة لاحقة ابتعث للدراسة العسكرية بالولايات المتحدة الأمريكية، وعاد ليتقلد مهاما عديدة طيلة سنوات خدمته العسكرية، وعمل في أكثر من محافظة، وتدرج في الرتب حتى رتبة العقيد ركن، قبل أكثر من عشر سنوات، وقد تعرض لحادث مروري قبل عدة سنوات نجا فيه من الموت بأعجوبة.

وفي يوم السبت 8/12/2007م تلقينا نبأ وفاته بالعاصمة صنعاء، ودفن فيها يوم الأحد. وقد نشرت صحيفة «الأيام»خبر وفاته المتضمن استقبال العزاء في الراحل، بمنتدى الوهط الثقافي، وذلك في عددها ليوم الثلاثاء 11ديسمبر 2007م. ولا يسعنا هنا إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون..ونسأل الله أن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى