ومن الحب ماقتل

> «الأيام» عبدالفتاح قائد عبده - أبين

> لم يشغله غيرها عن قراءة مقرراته الدراسية، حيث يعرفه الآخرون بتفوقه العلمي وحبه الشديد للدراسة.. وبمجرد مرورها أمامه وهو يتصفح كتبه تحت الأشجار التي تطل على مزرعة أبيها، وهي حاملة طعام الإفطار إليه تتوقف حواسه كلها عن العمل، وتتلاشئ من ذاكرته فصول من المقررات الدراسية التي كان قد حفظها.. فهي ممشوقة القوام، وأقدامها ناعمة، حيث تخطو بانتظام كعارضات الأزياء، أو كغزال يلهو في فصل الربيع.

خصلات شعرها تتموج مع نسيم الصباح الذي يغازل أغصان الأشجار المترامية والمنتصبة على جانبي الطريق.. ووجه يضيئ جمالا، ويتوارئ خلف ستار من الحياء.

حلم أحمد بالزواج منها طغى على آماله كلها.. وبمرور الأيام ازداد تعلقاً بها لدرجة أنها أصبحت حورية قصائد الغزل التي يلقيها أمام زملائه في المدرسة.. فبدأ الأب يشعر بالرومانسية المفرطة والمسيطرة على شخصية ابنة الوحيد، فانفرد به في إحدى غرف المنزل:

ـ هل هي من بنات القريه أم من خارجها؟

م م م .. ماذا تقصد يا أبي؟

ـ تعلم جيدا ما أقصد.. قلها.. قلها من دون تردد.

أطلق الابن ابتساماته فاركا شعره بكلتا يديه.. ثم اعترف، كان أسبوعا كافيا لإتمام مشروع الزواج.. فكل شيء سار على ما يرام حتى جاء يوم الزفاف، وهو اليوم الذي انتظره أحمد بفارغ الصبر.. اكتظت ساحة العرس بأهازيج الفرحة .. الأطفال ظلوا يرقصون، أما الرجال فأحيوا فرحتهم بطريقتهم الخاصة بإطلاق الأعيرة النارية التي نشرت الخوف والرعب في قلوب الحاضرين، حتى العروسين، حيث أمسك العريس بيد عروسه ليشقا طريقهما نحو عش الزوجية من شدة الخوف في وقت مبكر.

فتزاحم الرجال حولهما ناصبين بنادقهم عاليا.. أخذوا يفرغون ما فيها من طلقات في الهواء.. فارتطمت العروس بكتف زوجها وكادت أن تتعثر بعد أن داس هو على فستان زفافها الطويل الذي يلامس الأرض، وفي اللحظة التي حاولت فيها المحافظة على استقامتها اخترقت رصاصة طائشة رأس العريس لتستقر فيه.. أصابت الفاجعة جميع الحاضرين بعد أن سقط العريس أرضا.. حاول العروسان استغلال واستثمار اللحظات الأخيرة المتبقية من عمر زواجهما.. طلب منها أن يتوسد صدرها حتى يموت بين ذراعيها..لم تتردد في تلبية أمنيته الأخيرة.

وعندها امتزجت دماؤه بلون فستان زفافها الأبيض.. حاولت النسوة إبعادها عنه فأمسكت يده باستماتة، أما الأب فقد احتقنت عيناه بالدموع.. لم يتصور أبدا أن تصرفاته الجاهلية الطائشة سوف تحرمه ابنه الوحيد.

فالطلقات التي أراد التعبير بها عن فرحته ومدى حبه الشديد لابنه هي التي اخترقت إحداها رأس ابنه..! نعم اخترقت رأسه، فكانت سببا في قتله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى