قراءة في ديوان (أنثى لهذا البحر) للشاعر عبدالرحمن إبراهيم

> «الأيام» محمد عمر جميع:

> يعد الشاعر عبدالرحمن إبراهيم من أبرز الأصوات الشعرية التي ظهرت في السبعينيات، ويعتبر من رواد الحداثة وحركة الشعر المعاصر في اليمن والوطن العربي في العصر الحديث، فهو فيلسوف من فلاسفة القصيدة الحديثة في العصر الحديث. ظهر عبدالرحمن إبراهيم كشاعر مع لفيف من الأصوات الشعرية التي ظهرت في السبعينيات أمثال: شوقي شفيق، حسن اللوزي، مبارك سالمين، عبدالرحمن فخري، زكي بركات، عبدالله القاضي، وغيرهم من الشعراء الذين مثلوا جيل السبعينيات الشعري، الذي يعده الكثير من الدارسين المفصل الأهم في الحداثة الشعرية في اليمن. فالشاعر عبدالرحمن إبراهيم احتل مكانا متميزا في الحركة الشعرية الجديدة في اليمن، وهو بنتاجه الشعري يواكب أحدث نماذج القصيدة الجديدة كما يكتبها زملاء له في القاهرة وبغداد ودمشق، كما قال عنه الدكتور عبدالعزيز المقالح.

فهو يقول: في قصيدته (تعبت بحاري):

تعبت بحاري.. والبحار حمام

وحبيبتي تعبت

وقصيدتي تعبت

وسجائري تعبت

وما تعب المقام

وأنا الصباح، صباح دائما يعلو

لا صوتهم يعلو على صوتي

ولا يعلو الكلام

تعبت بحاري

والبحار حمام

من خلال هذه القصيدة وغيرها من القصائد الآخرى نلمح أن شعر عبدالرحمن إبراهيم التصق كثيرا بهموم الناس العاديين، إذ تشع في قصائده صور المقهورين والفقراء الباحثين عن الحرية، وتميل أشعاره إلى البساطة الشديدة مع العمق الساحر، وقد امتاز بهذا الأسلوب الذي جعله من أشد الشعراء قربا إلى الناس، وإلى كل من يقرأه، فهو مثقف من طراز خاص مثله مثل بدر شاكر السياب ذي النزعة اليسارية الماركسية والمنشغل بكتابة القصائد الثورية، ونازك الملائكة المسكون شعرها بالهواجس الرومانسية الإنجليزية، بخاصة شعر بايرون و كيتس وشيلي، والتكرار هنا في الفعل تعبت نوع خاص من الإيقاع الخارجي المعكوس إن صح التعبير:

أنثى على سبابة المركب

تتبعثر الدنيا لخطواتها

وينبش روحه الكوكب

أنثى تسور ضوء نهديها

وتمحو شطحة الغيهب

أنثى لهذا البحر

هذا البحر ماض في خرائبهم

وهذا البحر لاينضب

فهذه الأبيات يصوغها الشاعر في براعة وسيطرة محكمة على معجمه الشعري، ودلالاته النافذة في كل اتجاه، وعلى عالم صوره المنتزعة من أجواء المعاناة والتعب وغيرها من هذه الصور والتراكيب التي تمتلئ بها القصيدة وتحتشد في أصدائها ودلالاتها الفاجعة، فالشاعر عبدالرحمن إبراهيم جرب الكتابة بتأصيل تجربة إبداعية تفرد فيها، من حيث التصوير الفني وتقنيات الأسلوب وبناء الجملة وإنتاج معنى خفي يعتمد على الرمزية والتشفير، فنصوص الشاعر لها مستويات عالية والمعنى الظاهر لايسعف الناقد في فهم نصوصه، إنها نصوص حداثية مشفرة ورمزية بامتياز، فشاعريته ظلت تسري في عروق كتاباته الشعرية:

عدن/ أفق ندثرها وشوشات الروح

عدن/ أسرارها حبلى بمجد السحب

الأليفة

عدن/شهب من الكبريت والشبق

الرخيم

عدن/ أنا المجنون باشتمال الكبرياء

عدن/طهارتي

عدن هذه المدينة الجملة لها حضور في قصائد الشاعر، وظلت مسكونة في هاجسه وهواجس كثير من الناس الذين عاشوا فيها.

عدن كما قال عنها الأخ المفكر والمناضل الرئيس علي ناصر محمد أمد الله في عمره وجنبه كل مكروه في كتابه (عدن التاريخ والحضارة): «إلى من علمتني أبجديات الحروف، عدن التاريخ عدن الحضارة»، فهي كذلك بالنسبة للشاعر عبدالرحمن إبراهيم، فالقصيدة هنا تميزت بحسن النظم ورقة اللفظ وخفة الوزن ليس أدل إلا على شاعرية عبدالرحمن وقدرته في سائر فنون الشعر.

وصدر للشاعر عبدالرحمن إبراهيم العديد من المجموعات الشعرية:

-1 تنويعات مدارية في ذاكرة حبيبتي (شعر) - دار ابن خلدون (بيروت).

-2 إلزا وحدها قدري (شعر) - دار الهمداني (عدن).

-3 أنثى لهذا البحر (شعر) - دار الهمداني (عدن).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى