«الأيام الرياضي» تستعرض بداية مشوار الكابتن علي محسن المريسي في تدريب المنتخبات اليمنية:الفقيد علي محسن بعد مغادرته مصر مكرها درّب عددا من المنتخبات العربية والأفريقية ..عند عودته إلى عدن أقنعته القيادة الرياضية بالبقاء وتدريب الفريق الوطني للشباب

> «الأيام الرياضي» عصام عبده عمر :

> عندما كان اللاعب الدولي الكبير علي محسن مريسي الأسطورة الكروية التي لن تتكرر في نادي الزمالك المصري العملاق، بل وفي مصر كلها واليمن والوطن العربي وأفريقيا كافة، كنا نشعر بالفخر والاعتزاز لكونه أولاً يمنياً، وثانياً لأنه رفع سمعة الكرة اليمنية والعربية عالياً..حيث كان يلعب هناك ويتألق، والكل في مصر لا يزال يتذكره حتى اليوم، وقد كان مشهوراً بـ(علي اليمني)، لكنه لأسباب يعرفها الكل غادر مصر مكرها ً، وتنقل في دروب الحياة يدرب أندية ومنتخبات وطنية لكثير من الدول العربية والأفريقية .. كان آخرها فريق (هورسيد) الصومالي الشهير أفريقياً وعربياً حينها.

أبو الكباتن يدرب ويستقر في اليمن

وفي مطلع شهر فبراير من عام 1975م عاد الأسطورة العملاق علي محسن إلى وطنه في زيارة خاصة قام بها لأهله وأقاربه وأصدقائه ومحبيه في عدن .. وكانت فرصة كبيرة استغلتها القيادة الرياضية القديرة في عدن، حيث جلست معه وأقنعته بالبقاء في وطنه، والقيام بتطوير لعبة كرة القدم وأداء المنتخبات الوطنية، وعندما أبدى موافقته بدون شروط، أعطيت له كافة الصلاحيات، وتم توفير كل متطلبات التدريب واللاعبين التي تقدم بها من أجل البدء بالقيام بالتكليف الذي أسند إليه، مع شعوره الصادق والنبيل بأن الوقت قد حان للاستقرار لخدمة بلاده وشبابها .. وكانت القيادة الرياضية والاتحاد اليمني لكرة القدم قد وافقا رسمياً على المشاركة في الدورة الآسيوية الـ 17 للشباب لكرة القدم في دولة الكويت الشقيقة قبل مجيء الكابتن علي محسن بشهور .. وكان موقف أبي الكابتن تجاه هذا التكليف موقفاً وطنياً صادقاً يسجل له بماء الذهب في سجلات الشرف والإخلاص .. كيف لا، وهو الذي لم يشترط شيئاً لنفسه ولا تقدم بطلبات خاصة به.

الكابتن علي محسن يتوسط أبناءه لاعبي منتخب الشباب الذي شكله بنفسه
الكابتن علي محسن يتوسط أبناءه لاعبي منتخب الشباب الذي شكله بنفسه
وكانت البداية تشكيل المنتخب

بعد تكليف الكابتن علي محسن بتشكيل المنتخب الوطني للشباب، الذي سيشارك في الدورة الآسيوية الـ 17 بالكويت الشقيقة، سارع إلى حضور مباريات الدوري العام، الذي كانت مبارياته تتواصل حينها، حيث كان يقيد ويسجل كل ما تراه عيناه بخبرة اللاعب الدولي والمدرب المحنك، وكانت النتيجة أنه جمع توليفة رائعة من أسماء اللاعبين المختارين بعناية حسب مراكز اللعب وصلاحية كل واحد منهم لها، وأصبح لديه مزيج من عناصر الخبرة في الملاعب وقوة الشباب والمواهب والأعمار المطلوبة..ومن ثم بدأ بعملية الإعداد والإستعداد،ووضع برنامجه والمتطلبات للمشاركة كاملة، من أجل تقديمها لاتحاد الكرة لإقرارها واعتمادها.

بروز مشكلة لم تكن في الحسبان

وبينما كان الكابتن علي محسن يستعد للمشاركة بإعداد المنتخب وتجهيزه برزت مشكلة لم تكن في حسبان أحد، ألا وهي الإعلان عن مشاركة فريق الجيش في بطولة الجيوش الصديقة في الصومال في نفس توقيت مشاركة منتخب الشباب الذي يدربه، وهذا معناه أن لاعبي فريق الجيش في تشكيلة المنتخب سيتم سحبهم كي يشاركوا مع فريقهم في بطولة الجيوش الصديقة، وكان ذلك في 10مارس 1975م، لكن الكابتن والمدرب القدير على محسن المريسي استطاع أن يعد تشكيلة بعدد 19 لاعباً، وقام بتقديم القائمة للاتحاد في يوم 15 مارس 1975م، ليقوم اتحاد الكرة بدوره بتعميمها على كل الأندية الأهلية مع تأكيده بضرورة حضور جميع اللاعبين المختارين إلى المعسكر التدريبي يوم 18 مارس 1975م الساعة الخامسة مساء .. وقد كانت التشكيلة المختارة مكونة من لاعبي الخبرة : الكابتن عوض سالم عوض (عوضين)، الحارس عادل إسماعيل، والمدافعون عزيز عبدالرحمن، عبدالله مسعود، عصام عبده عمر، ولاعبي الوسط علي أحمد فارع، عبده إسماعيل، والمهاجم جميل سيف.. إضافة إلى المشاركين لأول مرة، وهم من المواهب: الحارس وجدي أنور، والمدافعون حسين جلاب، حسين عمار، هاشم فضل، ولاعبي الوسط: نورالدين عبدالغني، شيبة ناصر الطامي، جمال عبدالله علوان،والمهاجمون: أبوبكر إبراهيم الماس، عبدالملك بانافع، محمد صالح، محمود صالح الخريبي .. وكان معسكرالمنتخب الذي كان في (نادي الحسيني الرياضي)بمنطقة الخساف بكريتر (سابقا) قد استمر من 18 مارس 1975م إلى 3 أبريل 1975م، وقد استطاع أبوالكباتن أن يؤلف بين قلوب جميع اللاعبين، ويجعل روح المحبة والانسجام والتعاون تسود بينهم .. كما نجح في تجهيز المنتخب للمشاركة بدنيا وفنياً ومهارياً، وجعله على أهبة الاستعداد للمشاركة.

الكابتن علي محسن يتحدث في استراحة بين الشوطين إلى لاعبي المنتخب ويحثهم على الفوز
الكابتن علي محسن يتحدث في استراحة بين الشوطين إلى لاعبي المنتخب ويحثهم على الفوز
المغادرة والنتائج الأولية الرائعة

وغادر المنتخب الوطني للشباب الوطن صباح يوم 5 أبريل 1975م إلى دولة الكويت الشقيقة .. وكان أول تدريب خاضه في عصر نفس يوم الوصول، والثاني كان صباح اليوم التالي.. وللعلم شاركت في هذه الدورة 20 دولة آسيوية، وزعت على أربع مجموعات أ- ب - ج - د.. وكل مجموعة كانت تتبارى فيما بينها، ويصعد الأول والثاني من كل مجموعة إلى دور الثمانية .. ثم تلعب المنتخبات في 4 مباريات، والمنتخب الفائز يصعد إلى دور الأربعة .. ثم تلعب المنتخبات الأربعة الصاعدة مباراتين .. ثم يلعب الفائزان على المركزين الأول والثاني .. والخاسران على تحديد المركز الثالث .. وكان منتخبنا في المجموعة (ج) التي ضمت إلى جانبه: الهند وبورما وماليزيا وكوريا الشمالية.

وكانت أولى مبارياتنا في يوم 7/4/1975 في العاشرة صباحاً ضد منتخب الهند الحائز على لقب البطولة السابقة.. وكان أن سجلت الهند في مرمانا الهدف الأول فسجلنا نحن التعادل بواسطة مدافعنا حسين جلاب .. وفي الشوط الثاني سجلنا الهدف الثاني بواسطة المدافع عزيز عبدالرحمن، وهو الهدف الذي انتهت به المباراة بفوزنا 1/2 .. وفي المباراة الثانية والتي كانت ضد منتخب بورما في يوم 9 أبريل 1975.. سجل منتخب بورما الهدف الأول، وسجلنا نحن التعادل بواسطة مهاجمنا جميل سيف الذي كان نجم المباراة .. وانتهى الشوط الأول بذلك .. وفي الشوط الثاني استمر التعادل وانتهت المباراة على ذلك.. وكان يوم 11 أبريل 1975 موعدنا مع المباراة الثالثة ضد منتخب كوريا الشمالية، التي فازت علينا بصعوبة بهدف مشكوك فيه أنه تسلل .. وفي يوم 14 أبريل 1975م كان الموعد المرتقب مع منتخب ماليزيا.. وكانت مباراة مصيرية، لأن الذي سيفوز سيرافق المنتخب الكوري المتأهل إلى دور الثمانية .. ولهذا اجتمع الكابتن علي محسن مريسي باللاعبين قبل هذه المباراة بيوم، وكان أن صرح للإعلاميين والصحافة الكويتية بأن المنتخب اليمني سيفوز على ماليزيا، وأننا سنصعد إلى دور الثمانية .. وهنا زاد الحمل على لاعبينا لسببين .. أولهما أن المباريات جرت بشكل متواصل من دون راحة كافية ومعقولة، إلى جانب بعض الإصابات التي تعرضنا لها في مباراتنا ضد المنتخب الكوري الشمالي .. أما السبب الثاني فكان تصريح أبي الكباتن علي محسن مريسي للإعلام والصحافة الكويتية أن منتخبنا اليمني الشاب سيفوز على ماليزيا، وأننا حتماً سنصعد إلى دورة الثمانية بكل ثقة.. كل ذلك جعل كثيراً من لاعبينا في حالة توتر ،ليس خوفاً.. ولكن لشعورهم أنهم لابد وأن يبذلوا أقصى الجهود للفوز لتحقيق كلام الكابتن علي محسن الذي صرح به علنا وبكل ثقة.

فريق هورسيد الصومالي ويظهر في اليمين واقفاً مدربه الكابتن علي محسن مريسي
فريق هورسيد الصومالي ويظهر في اليمين واقفاً مدربه الكابتن علي محسن مريسي
في استراحة بين الشوطين

ودخلنا المباراة في ظل تلك الأجواء السائدة، وبدأ الشوط الأول.. وسجلنا الهدف الاول بواسطة نور الدين عبدالغني في مرمى المنتخب الماليزي .. ومن لعبة جميلة سجلنا أيضاً هدفنا الثاني عبر جميل سيف .. لكن المنتخب الماليزي بعد دقائق قليلة سجل هدفه الأول لينتهي الشوط الأول بتقدمنا 1/2.. وفي استراحة بين الشوطين خاطبنا الكابتن علي محسن وهو يبتسم بهدوء أعصاب قائلاً:«إيه يا اولاد إيه الخوف ده والقلق والأعصاب .. أنا قلت للإعلام والصحافة ولكل الدنيا إن أولادي حيفوزوا وحنخش دور الثمانية .. إنتو بس أبعدوا الخوف والقلق واحنا حنفوز يعني حنفوز .. أنا واثق فيكم .. ياللا يا رجالة اليمن إنزلوا الملعب وهاتوا الفوز لليمن ياللا»..وقد أعطت هذه الكلمات متنفساً لنا وقوة ونشاطاً ولعبنا مباراة العمر في الشوط الثاني.. وأذهلنا الماليزيين، وسيطرنا سيطرة كاملة .. ومع العشر دقائق الأولى انطلق من خط وسطنا صاروخ (أرض جو) هزّ مرمى المنتخب الماليزي معلنا دخول هدفنا الثالث عبر نور الدين عبدالغني الذي كان نجم هذه المباراة .. وتبعته قذيفة الهدف الرابع التي أطلقها علي أحمد فارع لتتوالى الهجمات على المرمى الماليزي، لكن دون إضافة أي هدف، ومع قرب انتهاء المباراة سجل المنتخب الماليزي هدفه الثاني لتنتهي المباراة بفوز منتخبنا اليمني 2/4، لنصعد إلى دور الثمانية بكل جدارة .. وفي اليوم التالي خرجت كل الصحف الكويتية تقول:«منتخب اليمن يدك مرمى المنتخب الماليزي بـ 4 صواريخ ويصعد إلى دور الثمانية» .. وهكذا تحققت نبوءة الكابتن علي محسن .. وكان هذا اليوم من أجمل الأيام بالنسبة لكل اللاعبين.

منتخبنا اليمني للشباب يحيي الجماهير قبل إحدى مبارياتنا في الدورة
منتخبنا اليمني للشباب يحيي الجماهير قبل إحدى مبارياتنا في الدورة
مباراتنا أمام الكويت

وجاءت مباراة منتخبنا اليمني في دور الثمانية أمام منتخب الكويت الشقيق القوي في يوم 17 أبريل 1975م، وقدمنا فيها مباراة قوية وكبيرة، لكنها انتهت بفوز الكويت 3/صفر،حيث كان يضم أسماء لامعة ومشهورة مثل: سعد الحوطي، فيصل الدخيل، عبدالعزيز العنبري، حمد بو حمد، فتحي كميل، جاسم يعقوب، محبوب جمعة، عبدالله يوسف مهيوف، رضا عبدالله، محمد جاسم الحربان، عدنان عبدالله، وغيرهم..لكن هذا لا يمنع أن نقول من أن هذه الدورة كانت من أجمل المشاركات الخارجية للمنتخب اليمني، من حيث المستوى الراقي والقوي الذي قدمه لاعبونا في المباريات الخمس.. ولاننسى أن الجالية اليمنية في الكويت كانت خير سند لنا .. وأن كل الصحف والإعلام الرياضي الكويتي كان يشيد بالمنتخب اليمني طوال الدورة .. كما أشادت بالكابتن علي محسن المريسي كلاعب مشهور، وأفضل لاعب عربي سابقاً، وكمدرب قدير قاد المنتخب اليمني باقتدار، وجعله في مستوى راق وجميل ومشرف..وهكذا توالت قيادة الكابتن علي محسن مريسي للمنتخبات اليمنية بعد هذه المشاركة الناجحة والمشرفة، واستمر يقدم خبراته، حيث أرسى قاعدة كروية وخلق أجيالاً من الموهوبين والمبدعين حتى يوم وفاته في الـ 26 من نوفمبر 1993م.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى