قمة الغناء العربي الكلاسيكي (أسمهان) ..كانت أميرة وفارسة وعاشقة لليل والسهر ولكن الحياة لـم تمهلها طويلاً

> «الأيام» روماس عبدالقوي عبدالله:

> خطف الموت أسمهان قبل أن تنتهي من تصوير المشاهد الأخيرة في فيلمها الثاني (غرام وانتقام) أمام يوسف وهبي وبشارة واكيم، وبعد أن سجلت فيه بعض أجمل أغنياتها لثلاثة ملحنين كبار: محمد القصبجي ورياض السنباطي، وشقيقها الموسيقار والمطرب ذي الصوت الشجي فريد الأطرش بعد أن تقاسما البطولة في فيلمهما الأول (انتصار الشباب) عام 1941م .

رحلت أسمهان قبل سنة واحدة من انتهاء الحرب العالمية الثانية التي لعبت فيها دوراً سياسياً إلى جانب الحلفاء في سعيهم لكسب ود القوى السياسية في الشرق العربي .

ورحلت بعد أن انتزعت حريتها الشخصية من قيود انتمائها إلى عائلة الأطرش الكبيرة المحافظة وهو الانتماء الذي كان قد تكرس في زواجها من ابن عمها الأمير حسن الأطرش، الذي تخففت بالطلاق منه من الحواجز التي وضعها في وجه صعودها الفني الصاروخي. ورحلت أسمهان في خضم تحولات سياسية وشخصية وفنية عارمة، وفي اليوم الموافق لذكرى الثورة الفرنسية الكبرى (14 يوليو 1944م) أي قبل نحو ثلاثة وستين عاماً خطف الموت أحد أكبر الأسماء في تاريخ الغناء العربي في القرن العشرين، أسمهان وهي في شرخ صباها (32 عاماً) .

ورحلت أخيرا في خضم تحولات فنية عارمة لأنها كانت قد نجحت في منتصف عقد الأربعينات في التربع على عرش الغناء العربي الكلاسيكي، على مسافة قريبة جداً من موقع الاسمين اللذين سيطرا على قمة هذا العرش في القرن العشرين .. عبدالوهاب وأم كلثوم.

اليوم وبعد مرور ما يزيد عن ستين عاما على رحيلها وخضوع النصف الثاني من هذه المدة لسيطرة الغناء الاستهلاكي الذي نجح حتى الآن في سحب البساط من تحت عصور الغناء الكلاسيكي الذهبية المتتالية بين 1875و1975م، في تطبيق مذهل للشعار الاقتصادي القائل : العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق، بعد كل هذه التطورات تحضر الذكرى الثالثة والستون لرحيل أسمهان لتستعيد اسمها على ألسنة كبار النقاد وكأنها رحلت بالأمس، وهالة الكبر والخلود تحيط باسمها طازجة مشعة باهرة .

طبعاً هناك في حياة أسمهان أكثر من سبب قد يشكل اغراء لاستعادة ذكراها، فهذه الاميرة الفنانة التي مرت في حياتها الشخصية وحياتها الفنية مرور الصاعقة مليئة بالأسرار الشخصية والفنية والسياسية، التي لاتزال قيود التخلف العربي الاجتماعي والسياسي والثقافي والفني، تمنع الغوص عميقاً فيها كلها دفعة واحدة، أما اذا اتجهنا نحو الزوايا الفنية من حياتها وهذا هو مبتغانا في هذه المقالة .

فما تزال حادثة مصرع أسمهان يكتنفها الغموض حتى يومنا هذا رغم مرور أكثر من ستين عاما على رحيلها، وماتزال محاولة فك ألغاز موتها الفجائي الغامض محور جدل ونقاش هل هو بفعل تصفية سياسية، أم بفعل غيرة نسائية غرامية، أم بفعل غيرة فنية ؟!

غير أن ما تبقى من سطور هذا المقال سينصرف تماماً إلى إلقاء ما أمكن من الضوء مجدداً على القيمة الفنية الاستثنائية لهذه الفنانة التي اجتازت عتبة الخلود حتماً.

وإذا كان هناك إجماع على الاسمين اللذين يتربعان في مقدمة كتيبة الأصوات العربية اللامعة التي صنعت أمجاد الغناء العربي في عصره الذهبي في القرن العشرين، فإن الإجماع يمتد حتى يشمل الاسم الثالث في مقدمة هذه الكتيبة ..أسمهان .

ومن غرائب الصدف أيضاً أن يأتي ذلك التشابه الغريب في التساوي بين حياة سيد درويش وأسمهان في امتلاك القيمة الفنية الخارقة بالرغم من الحياة الخاطفة في التماعة أقصر من عمر الورد ..

ست سنوات لسيد درويش وسبع سنوات لأسمهان، ومن غرائب التشابه بينهما الموت في مطلع الثلاثينات من العمر: (-1892 1923م) لسيد درويش (31 عاما و(1944-1912م) لأسمهان (32 عاما).

والحقيقة، إن حياة أسمهان قد عرفت على قصرها مرحلتين مختلفتين لأنها كانت حياة فنية ثرية جداً في عصر ذهبي فاحش الثراء .

فإذا عرفنا أن أسمهان قد استقرت في القاهرة في العام 1923م طلباً للأمان مع الوالدة علياء المنذر الهاربة بأولادها من أهوال السياسة والحروب في بلاد الشام قبيل الحرب العالمية الأولى وفي أثنائها وبعد انتهائها .. فإن هذا العام 1923م شهد أيضاً انتقال أم كلثوم من الريف للقاهرة، كما أن العام الذي تلاه شهد انتقال محمد عبدالوهاب إلى رعاية احمد شوقي، المنصة الكبرى التي أطلقته عالياً في سماء الفن العربي آنذاك .

صحيح أن أسمهان كانت عنذاك لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها، ولكن تلك الظروف أتاحت لها إبراز موهبتها الفنية الفذة والصوت الشجي الرنان الذي أبهرت به الجميع وأنار لها آفاق الشهرة والمجد ومهد لها الطريق للتربع على عرش الغناء العربي الكلاسيكي خلال سنوات معدودة إلا أن الموت كان أسرع وحال دون مواصلة مشوارها الفني الثري الذي لو اكتمل لكان لأسمهان شأن آخر في عالم الفن وعمالقة السينما .. ولربما أزاح الاسمين اللذين أشرنا إليهما سالفاً.

إن الحديث عن قمة الغناء العربي الكلاسيكي (أسمهان) ذلك الصوت الرنان الخالد في الوجدان يحتاج منا الكثير والكثير للخوض فيه لسرد أمور كثيرة تتعلق بحياتها الشخصية ومشوارها الفني الحافل الذي لم يكتمل .. وحقيقة رحيلها المفاجئ التي لم تعرف بعد !! والتي ربما يجهلها أو تجاهلها الكثيرون من ذوي الاختصاص بعالم الفن والفنانين في ذلك الزمن الذهبي الذي لم ولن يعود طال الزمان أم قصر .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى