الكلمة الحرة ضمان

> «الأيام» طه حسين بافضل:

> بعض الكتّاب تستهويهم الكتابة بغض النظر عن ماهيتها وقيمتها وحريتها سعيا منهم لاكتساب المديح ونيل المكارم والمغانم وربما كان بين حروف كلماتهم وبين واقعهم العملي ما بين المشرق والمغرب!! إن الكلمة لتنبعث ميتة، وتصل هامدة مهما تكن طنانة رنانة متحمسة، إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها، ولن يؤمن إنسان بما يقول حقا إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول، وتجسيما واقعيا لما ينطق.. عندئذ يصدقه الناس، ويثقون به، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ولابريق.. إنها حينئذ تستمد قوتها من واقعها لا من رنينها، وتستمد جمالها من صدقها لا من بريقها.. إنها تستحيل يومئذ دفعة حياة، لأنها منبثقة من أناس أدبتهم الحكمة، وأحكمتهم التجارب، ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة، وجانبوا التسويف الذي به قطع الناس مسافة آجالهم، فذلت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال.

تضعف قيمة الكلمة عندما تنسلخ من حريتها بل تنهار من عليائها وشموخها، تتناثر حروفها في فضاء التشاؤم إلى الوهن والترهل وتضيع في المتاهات وصحراء التيه ورسوم التبعية المقيتة فتكون بابا مشروعا تدخل منه رياح السموم العاتية المميتة وتستحيل معاول هدم لكيان الأمة وأمن الوطن واستقراره وعطائه ومكتسباته.

الكلمة الحرة ضمان لكل التصدعات والقلاقل والفتن والمكايدات والمناوشات الفارغة من مضمونها الحيوي النافع، ذلك لأنها حرة يستهويها بريق الحق وتعجبها أشعة نوره فتقتبسها بخفة ظل وبديهة حاضرة ونفس تواقة للمعالي بتنقية المعاني والرفع في المباني لتصل إلى مقصودها كالسهل الممتنع والبديع المصطنع.

حرية الكلمة وقود لمحركات السير ولبنات للبناء والتشييد واكتاف للبذل والعطاء، إنها معاول هدم لكل مخططات التشرذم ومباني السقوط في غياهب جب التمزق والتهتك والانحلال من القيم والمبادئ التي رسمتها الشريعة الغراء وأكدت عليها مهنية الوظيفة السامية التي اعتلت منصة التتويج من خلالها.

كم نحن بحاجة كلما اختلطت الأمور وتشعبت الأفكار وازدادت الأوضاع سوءا إلى أن تكون كلماتنا حرة تحفظ لليمن أمنه وأستقراره وتسعى جادة لتحقق له مجده ونماءه، وتبني جدارا عازلا لكل من أراد لوطننا الحبيب تمزيقا ولأبنائه تفريقا ولتاريخه تشويها ولإنجازاته تدميرا وتخريبا، فحينئذ حق لكلماتنا أن تكتب بماء من ذهب ولا فخر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى