> د.معن عبدالباري قاسم:

هذه أول مقالة أخص بها صحيفتنا الغراء «الأيام» منذ سفري إلى الولايات المتحدة العام الماضي لغرض التفرغ العلمي حول تطوير المناهج في الحد من العنف ضد المرأة والطفل، والحقيقة أن ما حفزني للكتابة هو ما حدث في مدينة شيكاجو منذ بضعة أيام مضت حينما اتخدت إدارة إحدى المقاطعات قرارا بطرد جميع المدرسين وعددهم (200) بالإضافة إلى سبعة مدراء، وذلك على خلفية أن أقل من 40% من التلاميذ فقط نجحوا في الامتحانات على مستوى الولاية، واعتبر المدرسون مسؤولين عن تلك النتائج السيئة، وعليهم بالتالي إعادة تقديم الطلب كتوظيف جديد بعد الخضوع للفحص.

من جانبها احتجت رئيسة اتحاد المعلمين - كجهة نقابية - على القرار - وهذا هو دور النقابة في تبني قضايا أعضائها والدفاع عنهم - وألقت باللوم على أولياء الأمور في تحملهم جزءاً من المسؤولية وراء إخفاق أبنائهم. الإعلام بدوره - قناه CCN التي عرضت التغطية - اقترحت إعادة تأهيل وتدريب المعلمين بدلاً من طردهم لمواجهة التحديات القادمة في تطوير المناهج. من النقطة الأخيرة لدعوة الإعلام استحضرتني الذاكرة بمقابلة «الأيام» مع الصديق العزيز الدكتور عبدالعزيز بن حبتور، نائب وزير التربية، إن شاء الله وزير في المستقبل - التي طرح فيها أن هناك نحو 70 ألف معلم يمني بحاجة إلى برامج تدريبية، ولأن المشكلات، المقترحات، والأفكار في الهم التربوي كثيرة فسأحاول هنا وبإيجاز تسليط الضوء على البعض منها - لاعتبار تقديم مخارج ورؤى وليس فقط الشكوى - على النحو الآتي:

1- أعتقد فعلاً أن الأوان قد آن لأن تأخذ برامج التدريب حقها في خارطة الخطط والموازنة السنوية وتحديداً هنا في التعليم، حيث إن المعلمين هم عنصر التنمية البشرية - وهؤلاء بحاجة إلى برامج تعليم وتدريب مستمر - فمنهج متطور، أو مبان حديثة، أو سيارات عديدة وكتب فاخرة ومختبرات واسعة دون مدرسين أكفاء عبارة عن هدر وتخريب لتلك الموارد المادية وللوقت، وفاتورة مكلفة يدفعها أبناؤنا ضحايا المستقبل لتلك المعادلة.

2- وكما علينا الاهتمام بالمعلمين فعلينا بالقدر نفسه الاهتمام بأوضاع التلاميذ وبيئتهم المدرسية. ولهذا أتمنى أن يتم إلغاء نظام الفتره المسائية قريباً - خصوصاً وبشكل مستعجل في المناطق الساحلية - لكونها فترة منهكة للتلاميذ وتؤثر سلباً على قدراتهم التحصيلية المدرسية والعقلية.

3- إن موضوع تطوير المناهج بما يجعلها مواكبة لروح العصر وفلسفة التعليم الحديثة لتحتم اتباع المنهجية التطبيقية لتدريس مختلف المواد الدراسية بما فيها مواد مثل اللغات، التاريخ، العلوم الاجتماعية ، وبأسلوب مدرك لسيكولوجية الأطفال وخصائصهم العمرية، مع مزيد من الاهتمام والتركيز على مواد العلوم الطبيعية: كالرياضيات، الفيزياء، والكيمياء والأحياء، لأنها حجر الزاوية لبناء أجيال الغد القادرة على تلبية احتياجات السوق سواءً المحلية أو الإقليمية ، إذا ما أخدنا بعين الاعتبار تطلعاتنا الوطنية إلى دول الجوار الخليجية.

4- لا يفوتني في هذه العجالة تكرار دعوة سابقة قد نادى بها العديد - وإن لم تخني الذاكرة حظيت بحيز من المناقشات في مجلس الوزراء في أثناء فترة رئاسة الأستاذ عبد القادر باجمال الأخيرة - والمتمثلة في ضرورة إلغاء نظام التعليم لما يسمى بالعلمي والأدبي، بهدف إعطاء فرصة أكبر لأطفالنا لاستيعاب أكبر قدر من المعارف والعلوم التي ربما تكون مفيدة لهم لاحقاً في الجامعات، والمعاهد أو حتى في نشاطهم اليومي.

5- استجابة لتوجهات البنك الدولي في إستراتيجيته لتعزيز سلطات الإدارة المحلية، ودعوة اليمن لبرنامج الألفية وحضور اليمن لقاء الثمانية في هيستون 2004 والتي ترجمتها حملة البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية نحو إعطاء مزيد من الاستقلالية للمحافظات، فإننا نأمل بأن يكون نظام إلغاء الامتحانات على مستوى الجمهورية والاكتفاء بنظام امتحانات على مستوى المحافظات للصفين التاسع ابتدائي والثالث ثانوي ترجمة عملية في الواقع التعليمي لتلك الرؤى ببعديها الدولي والمحلي.

مسك الختام أوجه الدعوة للزملاء الرائعين من حملة الأقلام ذات الحس الرهيف لالتقاط هموم الناس وفي مقدمتهم الأساتذة الأعزاء:

نجيب يابلي، عبده حسين، سعيد عولقي، عبد الرحمن خبارة وكل الأقلام الشابة المتقدة بالحماس والنضج: علي الغريب، فريد العولقي، قطن، الموس، الهيج، على محسن، لتبني قضايا التعليم وتحسينه وجعله قضية محورية لمناقشاتنا - ليس بصورة موسمية ولكن يومية دورية- إذا أردنا بحق مستقبلاً أفضل لنا ولأبنائنا.

أستاذ زائر لبرنامج الفولبرايت / جامعه أريزونا