أكبر من مجرد صحيفة

> هاجع الجحافي:

> قبل أن تشرق الشمس.. كثيرون يحرصون على فتح أعينهم على صحيفة «الأيام».. عند الخامسة والسادسة صباحا تجدهم يحملقون بين سطورها وصفحاتها بنهم شديد.. البسطاء والجوعى والعمال.. النساء والرجال.. الصغار والشباب والكبار.. الكل يتناولون صباحا وجبة دسمة تعزز صمودهم وأملهم طوال النهار.. ينامون ويحلمون بالبقاء على أمل يتجدد صباحا مع الأيام، ليعكس حقيقة حب وعشق وأمل بين شعب مكلوم وصحيفة فريدة، بشكل ليس له نظير- على الأقل- في منطقة الجزيرة والخليج.

ثمة حقيقة أخرى أن أعداء «الأيام»، يتمنون لها الهلاك، ويقذفونها بتهم العمالة والانفصال، بل إنني وللأسف الشديد لمست وألمس مشاعر مليئة بالغيرة والحسد والكراهية تجاهها، من قبل البعض ممن يفترض بهم الانتماء إلى المجتمع المدني!.

النهج الذي أرساه المؤسس الراحل محمد علي باشراحيل- رحمه الله- عام 1952م وسار عليه الناشران العزيزان هشام وتمام باشراحيل.. لاشك أنه جعل ويجعل وسيجعل «الأيام» في واجهة الأحداث والتحديات.. هي اليوم أكبر من حزب.. إنها وطن وضمير شعب.

إنها صحيفة تنتسج في تلافيف ذهنية القائمين عليها والعاملين بها تداعيات المشهد العام في الوطن، حدثا وقضية، ولاترحل سخونة وطراوة الخبر حول حدث ما أو قضية إلى أمد آخر، ولا تميت صرخة مظلوم ولاتفر من هول دياجي الليل ووحوشه المتقمصة بقميص الإنسان، وما من شك أن الأستاذ هشام يستغور ببصره الثاقب مخالب تلك الوحوش.. أجدني أقول له: (أبو باشا) لن نسكت مطلقا على هذا الأسلوب الرخيص الذي طالك وأسرتك، لأن غدا وربما التو سيطال مثل أو أحقر وأرخص من هكذا أسلوب زملاءك في المهنة.

وأضيف ما قاله لي أحد الأعزاء ذات يوم حين تعرضت لمحاولة اغتيال قذرة.. أيها الجميل الرائع (أبو باشا) ما أشبه لسان حالك بقائل هذه العبارة: «لانخاف الأصدقاء فبأسوأ الأحوال يمكنهم خيانتنا.. ولانخاف الأعداء فبأسوأ الأحوال أيضا يمكنهم قتلنا.. ولكن علينا أن نخاف من اللامبالين، فإن سكوتهم هو الذي أوجد الخيانة والقتل على هذه الأرض».

أجزم أن العام 2007م عام «الأيام» بامتياز ولهذا ليس بغريب أن تتعرض لهجمة شرسة-معلنة وغير معلنة- من قوى الفساد والإفساد وأعداء الأمة، تعيد ذاكرتنا إلى ما تعرضت له «الأيام» في أغسطس 1964م أيام اتحاد الجنوب العربي، الأمر الذي يعزز من رصيدها الوطني والمهني.

في تلك الفترة كانت الأوضاع شبيهة بما يحدث اليوم إلى حد ما من حيث الغلاء والمنافسة الانتخابية ومقاومة الظلم والاستعمار البريطاني.. ورغم وجود الكثير من الصحف حينها، إلا أن الأيام كانت في الصدارة, وكانت أكبر صحيفة في الجزيرة العربية، الأمر الذي دفع بحكومة الاتحاد إلى إصدار (مرسوم الطوارئ العامة للإعلام) المنشور رقم 953 بتاريخ12 أغسطس 1964م، خدمة صحافة الجنوب العربي، الذي جاء فيه: «صدر يوم أمس مرسوم للطوارئ يعطي وزير الإرشاد القومي والإعلام صلاحية منع صدور أي مطبوع في حالة اقتناعه بأن هذا المطبوع احتوى أو يحتوي أو سيحتوي على أية أمور تضر بالدفاع أو الأمن الداخلي أو الشؤون الخارجية لاتحاد الجنوب العربي، أو أية أمور تدل دلالة قاطعة على القصد لإثارة الفتن، كما أن هذا القانون يعطي الوزير الصلاحية ليطلب تعديلا وتصحيحا للخطأ المنشور أو التعبير عن الرأي أو توضيح سياسة الحكومة، أو تقديم النصيحة العامة للجمهور عندما يرى الوزير ذلك الطلب ضروريا».

انظروا إلى التهم التي (فُصّلت) على «الأيام» حينها، وقارنوا بينها وبين ما يحدث اليوم!!.

ذلك المرسوم صدر أساسا لإغلاق «الأيام»، لأنه في نفس اليوم تقريبا مباشرة صدر المرسوم رقم 954 بتاريخ 12 أغسطس الذي جاء فيه : «أصدر وزير الإرشاد القومي والإعلام هذا الصباح أمرا تحت قانون الطوارئ العامة للمطبوعات لمنع صدور صحيفة «الأيام» بعد اليوم».

وخلال ستة أشهر بعد أن أنجزت الانتخابات، وقمعت الاحتجاجات، صدر المنشور رقم 1413 بتاريخ 14 ديسمبر 1964م برفع الحظر عن الصحيفة، وجاء فيه: «ألغى معالي وزير الإرشاد القومي والإعلام بالنيابة السيد عبد الرحمن جرجرة في العاشر من ديسمبر 1964م الأمر الذي كان قد صدر في 12 أغسطس بمنع توزيع صحيفة «الأيام» العربية اليومية».

جدير أن نتذكر أيضا أن «الأيام» أوقفت بعد الاستقلال مباشرة عام 1967م، حتى عاودت الصدور في 7 نوفمبر 1990م، وخلال هذه الفترة نفي الناشران مع أسرتيهما إلى صنعاء، واستقرا فيها وقاما بشراء أرض وبناء مسكن عام 78 - 1980م، ليجدا نفسيهما بعد 28 عاما يدفعان ثمن مواقفهما، المزيد من التخوين والعداء بل والطرد من صنعاء، في قصص مفبركة لاتخدم الوطن وما يمر به، ولا تتناسب والأوضاع الاستثنائية التي يمر بها الشارع اليمني.

هذا هو قدر «الأيام».. لأنني على يقين أيضا أنها ستكون دائما في مواجهة مع كل ماهو شاذ وخاطئ وغير سوي.. ولن يكون بغريب أن نسمع بعض المعجبين بها اليوم وهم يناصبونها العداء والاختلاف غدا عندما تمارس عملها بمهنية لاتتفق مع أفكارهم وتوجهاتهم.

في الأخير أتمنى من العقلاء والحكماء في البلد التدخل لمنع المزيد من التداعيات في النفوس التي جعلت الكثيرين لايشعرون بأي انتماء وهم يسكنون أو يستأجرون بيوتهم في عاصمة دولة الوحدة.. أتمنى أيضا موقفا تضامنيا حقيقيا مع «الأيام» من قبل مجلس نقابة الصحفيين والزملاء والزميلات في صنعاء!.

كما أتمنى ألا يتهور البعض بإصدار مرسوم يذكرنا بالماضي البغيض.. لأن مشكلة البعض للأسف أنهم لم يدركوا بعد أن «الأيام» أكثر من مجرد صحيفة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى