في الذكرى الـ(15) لرحيل مؤسس وعميد «الأيام» محمد علي باشراحيل

> «الأيام» عبدالقادر باراس:

>
من اليسار : محمد علي باشراحيل، منصب عدن زين العيدروس، توفيق إيراني، الشيخ علي محمد باحميش، محمد سعيد الحصيني في استديو إذاعة عدن عام 1955
من اليسار : محمد علي باشراحيل، منصب عدن زين العيدروس، توفيق إيراني، الشيخ علي محمد باحميش، محمد سعيد الحصيني في استديو إذاعة عدن عام 1955
يصادف اليوم ذكرى مرور (15) عاما لرحيل مؤسس وعميد دار «الأيام» المغفور له الأستاذ محمد علي باشراحيل، أحد أبرز أعمدة الصحافة اليمنية في النصف الثاني من القرن العشرين.

وبمرور 15 عاما على رحيله تفتح «الأيام» أرشيفها لإعادة أهم ما قيل عن حياة الراحل محمد علي باشراحيل طيب الله ثراه ومناقبه، تضمنت كتابات ممن أحبوه، وشهادات ممن عاصروه من مختلف الفئات والشخصيات السياسية والاجتماعية من الذين عرفوه عن قرب، تحدثوا عن سيرته الحياتية ومراحل مشواره في عالم الصحافة والعمل السياسي والاجتماعي.

الباشراحيل في موكب الخالدين

تربطني بالفقيد الأستاذ محمد علي باشراحيل، صداقة وزمالة، تعود إلى ماقبل خمسة وثلاثين عاما، حين عملت معه سكرتير تحرير لصحيفته «الرقيب» عام 1957م ثم سكرتير تحرير لصحيفته «الأيام» عام 1958م التي استمرت في الصدور حتى عشية الاستقلال، إلا أنني بعد عام وبعض العام من صدور «الأيام» قررت العودة إلى حضرموت، حيث أصدرت هناك صحيفة «الطليعة» في 28 مايو 1959م، وعلى مدى تسع سنوات أو تزيد (1958 - 1967م) خاضت الصحيفتان معارك إقليمية، وكان هم الوطن العربي واليمني في مقدمة ما كان يشغل اقلام محرريها، وإن لم يمنع ذلك من إعطاء اهتمام أكثر لأماني وتطلعات المواطنين على مستوى النطاق المحلي (الإقليمي) الذي يصب في النهاية، في النطاق الوطني العام.

ورغم قصر المدة التي عملت فيها مع الفقيد إلا أنني قد تعلمت منه الكثير، سواء أكان ذلك من خلال تمرسي بالعمل الصحفي معه أم من خلال العلاقة الحميمة المتميزة التي كانت تربطني به والتي امتدت سنوات دون انقطاع، رغم البعد وتفرق السبل بنا في دروب الحياة. وكانت زيارتي الصحفية لعدن خلال عملي الصحفي في «الطليعة» بحضرموت إحدى المحطات التي كنت ألتقي فيها بالفقيد في مكتبه القائم على الخليج الأمامي الجميل، كان يلقاني دائما هاشا باشا، وعلى شفتيه ابتسامته الرقيقة التي تسع الدنيا كلها، والتي كانت لاتفارقه وهو في أحلك الظروف وأشد الأزمات، وكان كثيرا ما يشكو لي ظلم الآخرين وتعديهم عليه، لكني أشهد أنه لم يكن يعاملهم بالمثل، بل كان يقابل الإساءة بالإحسان، وكثيرا ما يلتمس لهم العذر فيما يصدر عنهم من جحود حسدا على ما أنعم الله به عليه من تفوق وشهرة.

وكان الفقيد قد عانى في فترة لاحقة من ظلم الآخرين ولم يشفع له نضاله الصحفي، ولا وطنيته ولا كبر سنه من الحكم عليه بالنفي إلى الشطر الآخر من اليمن في ظروف بالغة السوء، لكنه- رحمه الله- رغم الشعور بالمرارة لم يضع قلمه أو فكره في خدمة الأعداء الذين كانوا يتربصون بالوطن اليمني للإضرار به، بل فضل أن ينأى بنفسه بعيدا عن كل الصراعات.

وعندما زرته في صنعاء، في إحدى زياراتي الخاطفة لها شكا لي كعادته ما لقيه في عدن من جحود ونكران للجميل، مستعيدا ذكرياته فيها عندما كان يتربع عرش (صاحبة الجلالة) التي عشقها وأحبها وأفنى شبابه في خدمتها، واستطاع أن يورث عشقه وتعلقه بالصحافة إلى ابنيه هشام وتمام الذين جددا بشبابهما وخبرتهما التي اكتسباها من والدهما شباب «الأيام» التي صارت بصدورها بعد الاحتجاب الطويل إلى صورة فاقت كل تصور.. ولقد أثلج صدري كثيرا ذلك النجاح الصحفي الذي حققاه في فترة قصيرة، وأحسب أن والدهما قد فارق الحياة وهو قرير العين بهما، لأن الشجرة التي غرسها بكده وسهره قد صارت إلى أيد أمينة تحرسها وترعاها، وكان ذلك بلا شك غاية أمانيه ومبعث سعادته واعتزازه.

أحمد عوض باوزير

هل مات .. ؟

وفي اللحظة التي جرؤ قلمي على الكتابة عن الأستاذ قصرت قامتي عن الوصول إلى قامته السامقة، تذكرت ما قاله الاديب الروسي الفذ (تولستوي) من أن القوة العظمى الحقيقية والمطلقة تتمثل في عنصري الإرادة والزمن.. وما عداهما فهو نسبي، لأن القوة المادية تنهار أمام الأرادة الروحية القوية، وتتغير بتغير الزمان والمكان.. ولقد راهن الباشراحيل على هذه القوة، وكسب الرهان بلا جدال.. فعادت «الأيام» صنيعه القديم وعشقه الأول بعد غياب طويل وبإرادة الأبناء البررة النجباء والأصدقاء الخلص، وفي زمن وحدوي يماني جديد، كان يحلم أن يراه واقعا وحقيقة مجسدة فوق الأرض وفي أعماق العقل والوجدان.. فتأكدت وعبر رجل تحلى بالحكمة والأيمان العميق بدورة الحياة، مقولة الأديب الروسي الشهير بـأن القوة العظمى الحقيقية، تتمثل في الإرادة والزمن.

وبوفاة أستاذنا الجليل محمد علي باشراحيل يفتقد الوطن اليمني رجلا مؤسسا لمدرسة صحفية متكاملة.. وعزاؤنا في فقدانه أنه برهن كما يبرهن العظام دائما أنهم ليسو جزءا من الماضي.. بل يمتلكون حضورا حيا ومؤثرا في الحاضر، وأن تأثيرهم يمتد بقوة واقتدار إلى المستقبل، ويكفي محمد علي باشراحيل شهادة التاريخ له بأنه:

لم يدع يوما أنه صانع التاريخ، ومدبر الأحداث، أو أنه رجل الانقلاب والتحول، أو أنه الأوحد في ساحة النضال السياسي والثقافي والتحرري.

إنه وبكل تواضع يعترف بأدوار الآخرين.. ويأخذ منها السمين.. ويترك الغث، وينتصر للحق، ويعتبر الباطل هفوة وخطأ إنسانيا.. ولايدعي الكمال في القول والعمل.. ولاينسب لنفسه بطولات لم يجترحها.. ويتمثل باستمرار القول: رحم الله امرءا عرف قدر نفسه.. فهل لنا في هذا الزمان مثله؟!.

عميد «الأيام» محمد علي باشراحيل في مكتبه بدار «الأيام» بالخليج الأمامي في عدن
عميد «الأيام» محمد علي باشراحيل في مكتبه بدار «الأيام» بالخليج الأمامي في عدن
عبدالقادر باجمال

لمحات مضيئة عن الأستاذ باشراحيل

.. كانت دار «الأيام» في الطابق الأسفل من سكن المغفور له محمد علي باشراحيل تضم كتابا وعمالا ومن ذوي الاهتمامات السياسية والأدبية والرياضية.. مدرسة وجد فيها أحرار اليمن ورجالاتها الأفاضل الفرص للتعبير والحوار الهادف، وأذكر منهم الأستاذ محسن العيني والأساتذة علي عبدالعزيز نصر ومحمد حسن العوبلي ومحمد الرباعي ومحمد أحمد نعمان والقرشي عبدالرحيم سلام والوصابي ومحمد أحمد شعلان ومحمد علي الأسودي وبافقيه وباذيب وغيرهم..

.. كان رحمه الله، ببعد نظره ورجاحة تفكيره، يعتصر ألما بسبب ما يحيط بالوطن من أخطار ومتاعب نتيجة غياب القرار السياسي الأصلح والأسلم والأنفع لليمن وأهله. وكانت دعوته لمريديه من شتى الاتجاهات الفكرية والسياسية والحزبية أن يتركوا مجالا للحوار البناء والرأي الآخر في ممارستهم السياسية، وأن تكون مصلحة اليمن والشعب قبل الحزب، وأن يكون الولاء لله والوطن، وأن تكون العقيدة الإسلامية مرجعا وملاذا للحاكم والمحكوم. وكان رحمه الله يقف مباركا ومشجعا للخروج باليمن من عزلتها بتطويرها إداريا وتأطير مؤسساتها بالنصوص القانونية والدستورية التي تحمي الحق العام والحق الخاص ضمانا لمبدأ الثواب والعقاب وأهمية تطبيقه على كل من يتولى وظيفة عامة في بلادنا.

لقد تعلمت كثيرا من الراحل خلال نشاطي النقابي والسياسي في عدن وصنعاء.

عبدالله عبدالمجيد الأصنج

هكذا عرفت الأستاذ باشراحيل

تشرفت بالتعرف عليه شخصيا في منتصف الخمسينات، بعد أن كنت قد سمعت عنه الكثير، إذ كان صيته قد أصبح وقتئذ ذائعا في عدن وغيرها من مناطق الوطن بحكم نشاطه في غير مجال من مجالات العمل الوطني ومنذئذ ظل يحظى بإعجابي لما كان يتمتع به من مزايا وملكات قلما تجتمع في كثير من الناس، فقد كان ممن يتقنون اللغة الإنجليزية كأبنائها.. وكان يمتاز بذكاء خارق، وبقدرة على تحليل القضايا السياسية - الداخلية والخارجية - بدقة متناهية لدرجة أنه كان يستطيع استقراء النتائج قبل وقوعها.

ولسوف يذكر له التاريخ حين يكتب بأمانة وتجرد أدوار في الجهاد بجهده وقلمه وفكره من أجل التحرر الوطني ودفاعا عن الثورة والنظام الجمهوري، وفي الدعوة إلى وحدة اليمن في أحلك الفترات، بالرغم من كل ما كان يتعرض له من حين إلى آخر من التهديد والوعيد والإرهاب غير أن عزاءنا ونحن نفتقده بعد أن ودعنا أنه خلف (هشام وتمام) اللذين سلمهما الراية قبل رحيله بأعوام حين اطمأن إليهما كل الاطمئنان، وها هما يواصلان حملها بكفاءة واقتدار.

محمد سالم باسندوة

الفارس الذي لم يغمد سيفه حتى بعد رحيله

تعرفت على المرحوم محمد علي باشراحيل لأول مرة في صيف 1948م حين عدت من مصر إلى عدن مع بقية أعضاء اللجنة التحضيرية لرابطة أبناء الجنوب، كنا نجتمع سرا ونتصل بمن نتوسم فيهم الوعي والاستقامة وحب الوطن والإخلاص له،

كان يكبرني ببضع سنوات ولكنا كلنا من جيل واحد.. كل شيء فيه يدل على الاستقامة والاعتزاز بالنفس وكريم الخلق وطيب المعشر والبشاشة وخفة الدم، يرتدي دائما قميصا أبيض اللون نظيفا ومكويا، وسراويل مكوية إما بيضاء أو كاكية، وجوارب طويلة بأحد اللونين مع الحذاء المناسب، وسيجارة دائما تتنقل بين الفم والأصابع، ولما عرفته عن قرب جذبني أكثر، وعرفته أكثر وأكثر كلما وقفنا نتحدث في الشارع قرب بيتينا أو جلسنا سوية على شرفة البناية القديمة لنادي الإصلاح العربي في شارع النهضة.. وتوثقت المعرفة فتحولت إلى صداقة عمر حتى على البعد بداعي الأسفار.

كان الحديث بيننا في الأمور العامة أكثر مما هو في أمور خاصة، فقد كانت بلادنا تمر بمرحلة مخاض، فالإنجليز فصلوا عدن وبالتالي محمياتها عن إدارتهم في الهند تمهيدا للجلاء من شبه القارة الهندية.

كان عضوا قياديا فعالا في نادي الإصلاح العربي، وشغل منصبي نائب الرئيس ثم الرئيس فيه، كما كان محمد علي باشراحيل سياسيا ثاقب النظر، يكاد يقرأ المستقبل من مقدمات الأحداث، وكان يقول: لن يضر بلادنا سوى هؤلاء العيال المراهقين أبطال المزايدات وطلاب الشهرة والتصفيق، وهم الذين سيعطون للمستعمر المبررات والوسائل لضرب شعبنا.وكان يقول: سترى يا أخ أحمد كيف أن الإنجليز سيدمرون كل ما نبنيه ساعة اقترابنا من لحظة النصر.. وأنهم يلعبون معنا لعبة شطرنج، وعندما تبقى نقلة أو نقلتان لنقول لهم (كش ملك) سيخربطون الحجارة لنبدأ اللعبة من جديد!

.. كان يؤمن بالعمل الاجتماعي السياسي المنظم والموحد للضغط على بريطانيا كي ترحل عن بلادنا.. هو نفسه الذي وقف بقلمه وصحفه إلى جانب الثورة المسلحة وكافة قياداتها عن معرفة بهم، وبالكثير من دخائل الأمور، وهو نفسه الذي أرسلت له إحدى الجبهات الثورية رجلا ليغتاله في مكتبه.

لم أره يوما هازلا أو مبتذلا، أو أسمع منه لفظا جارحا حتى مع خلصائه وأصفيائه، ومع ذلك لم تكن الابتسامة تفارق شفتيه في أحلك المواقف والظروف، وكان له ذكاء حاد متوقد وعقل مرتب يخطط ويرسم ويحسب لكل شيء حسابه، وكان يملك مقومات السياسي الناجح، كما كان يملك وضوح الرؤية ومعرفة ما يريد لوطنه، إضافة إلى الثقافة العميقة والواسعة التي كان من أدواتها امتلاكه ناصيتي اللغتين العربية والإنجليزية، رغم أنه لم يمض في دراسته الأكاديمية إلى أبعد من الثانوية نتيجة الأوضاع التعليمية التي خطط لها الإنجليز.. ومع ذلك فقد كان أحد القلائل من أبناء عدن الذين أفلتوا من هذا الحصار الاستعماري الخبيث، وكانت وسيلته إلى ذلك القراءات الواسعة للصحافة الأجنبية والاحتكاك المباشر بالجاليات الأجنبية.

كان المرحوم محمد علي باشراحيل عميق الإحساس بالوضع الشاذ لمدينة عدن التي أراد المستعمر إذابة عروبتها في خضم الجاليات الأجنبية، وكانت تثور نفسه على ذلك الحال، ويزيده ذلك الإحساس تمسكا بتأكيد عروبة عدن وشعبها، وتفضحه تصرفاته اليومية بشكل عفوي.

أحمد عبده حمزة

«الأيام» والباشراحيل

كان للمرحوم الباشراحيل مواقف وطنية بارزة لها طابعها المتميز والخاص، وبما تقتضيه الأيام والمرحلة.

بادر المرحوم باشراحيل بتسخيره صحيفة «الأيام» لتكون ناطقا ومعبرا ولسانا لهذا النضال، ومرآة عاكسة لحقيقة الواقع ومايدور في الساحة، مظهرا حقيقة أي زيف وادعاء، فكان أن أسهم بهذا الفعل في كسر طوق الحصار الإعلامي والدعائي الذي حاولوا إحكامه حول الثورة، كان منبع الشجاعة في قراره هذا هو تفرده بهذا القرار، وفي وقت انحازت فيه كل وسائل الإعلام داخليا وخارجيا ضد الكفاح المسلح ومع عملية الدمج القسري.

وبعد الاستقلال والمخاض المتولد عنه وقف الصحف الخاصة وإغلاقها، واحتكار الدولة لأجهزة الإعلام ووسائلها ومقدراتها، أدرك المرحوم باشراحيل صعوبة وضعه وهو الذي عاش إعلاميا وصاحب رأي، وقد عز عليه ما آلت إليه الأمور وصارت إليه حالته، وهو مالم يكن يتوقعه ويتطلع إليه وعز عليه ذلك، ولكنه لم يعمد إلى محاولة استثمار ما قدمه من جهد وطني، إذ رأى في ذلك واجبا وطنيا لا اسثتمارا، فكان أن آثر البعد عن الساحة وغادرها إلى صنعاء، وهنا كان الامتحان الأصعب لإرادة الرجال ومعادنهم، وهنا تجلت عزيمته وثبات مواقفه، فلم ييأس ولم ينهزم أمام المغريات المعروضة لقاء بيع المواقف، بل وجد أن في ماضيه ما يحرص عليه وعلى نقاوته، وكان أن قرر الاعتماد على الذات والذات فقط، ورغم صعوبات البداية، وبرغم العراقيل المزروعة أمامه، فقد قرر أن يجعل الحاضر امتدادا وتواصلا للماضي في عزته ونقاوته، وأن يكون المستقبل ثمرة طيبة لنبتة طيبة، فكان له ما أراد، وكان له في أبنائه ما ساعد على استمرارية المواقف ونجاحها.

عميد «الأيام» مع الرئيس السلال في القصر الجمهوري بصنعاء في الذكرى الأولى للثورة
عميد «الأيام» مع الرئيس السلال في القصر الجمهوري بصنعاء في الذكرى الأولى للثورة
عبدالقوي محمد رشاد الشعبي

الباشراحيل يتصدر الدعوة إلى جعل العربية اللغة الرسمية

تصدر الفقيد الدعوة إلى جعل اللغة العربية لغة رسمية في البلاد، وفي فسح صفحة لهذه الدعوة، وكان بقلمه وصوته في المجلس التشريعي يحمل صوتنا لأن تكون لغتنا العربية هي الرسمية في البلاد، وفعلا انصاعت الحكومة البريطانية للمطالب الشعبية التي تزعمها الوالد محمد علي باشراحيل، وأصبحت اللغة العربية رسمية إلى جانب اللغة الإنجليزية.

لقد كان أستاذنا الكبير النجم البارز في الحياة السياسية في أوائل الخمسينيات والستينيات في عدن، وكان بواسطة صحيفته «الأيام» و«الريكوردر» الناطقة باللغة الإنجليزية يصوغ الفكر العربي للجيل الذي كان يتخبط آنذاك في دياجير ظلام الأيديولوجيات البعيدة عن العقيدة الإسلامية، وكان يتمسك برأيه عن حق ويدافع عنه بالمنطق السليم رغم وجود الكثير ممن كانوا يناصبون فكره العربي العداء، ولكنه صامد مدافعا بإيمان عميق عن رأيه وعن حرية الرأي، فصاغ لنا في عدن ولليمن منذ ذاك الحين منهاج تعدد الآراء بالأسلوب الديمقراطي الذي بدأت تنتهجه اليوم الجمهورية اليمنية.

محمد عبدالوهاب شودري

ذكريات محفورة في الذاكرة

أعود إلى حقبة تاريخية ضاغطا على زر الدهور لاسترجاع الذكريات من كمبيوتر الذاكرة لتعيد لي اليوم الذي تعرفت فيه على الأستاذ الوالد الراحل رائد الصحافة المغفور له محمد علي باشراحيل (رحمه الله رحمة الأبرار).. وجدت في أستاذي الأب الموجه والتشجيع اللامتناهي والتقدير الذي ما بعده تقدير، حيث فتح لي المجال على مصراعيه كمندوب لـ «الأيام» في المجلس البلدي التشريعي والاتحادي وصفحة الأدب والفن والصفحة الأخيرة. ولا تغيب عن ذاكرتي أنه كان يملي علي الافتتاحية بعد نفس من دخان سيجارته، ولا يعود من جملة نطقها حتى نهاية الافتتاحية مما يدل على أن أفكاره مرتبة ويسردها باستطراد وعلى درجة من العمق إلى جانب رباطة الجأش بدليل إحدى الافتتاحيات بعنوان (لن نستسلم)، ولعمري تلك أقصى درجات الشجاعة.

محسن بريك

«الأيام» مدرسة وكفى

كان الراحل محمد علي باشراحيل واحدا من أولئك المثقفين الذين أسهموا في التحديث الثقافي والسياسي، وارتبط اسمه بالصحافة العربية والإنجليزية مثل آل لقمان، أصحاب الدور الثقافي الرائد في أكثر من مجال، وقد شمل نشاطه فئات وجماعات على امتداد اليمن كله، فقد كانت عدن الملاذ والأمل والمدرسة الكبيرة، وبنظرة سريعة إلى الذين اشتركوا في رثائه تدل على أنهم يمثلون مختلف التيارات السياسية والثقافية، وكان دور الصحافة في تلك الأيام مميزا بوظيفة تنويرية، وإن كانت محدودة في جوانبها الفكرية، وقد جعلت أولى مهامها الدفاع عن الهوية الثقافية العربية، وتجلى ذلك في الدفاع عن اللغة العربية والعمل الدؤوب لجعلها لغة رسمية، وقد كان للراحل دور أساسي في هذا المضمار، وتميزت صحيفته بالدفاع عن الحركة النقابية صاحبة الدور الوطني الأساسي، والتي كانت بدورها مدرسة تخرج منها أجيال من الساسة الوطنيين.

عندما عادت «الأيام» إلى الصدور من جديد كتب الراحل العزيز فقيد الوطن عمر سالم طرموم في تحية لعميد «الأيام» أن «الأيام» كانت مدرسة وكفى.. إن كلمة مدرسة تشمل إلى جانب الدور التنويري، العمل الوطني السياسي، وفتح آفاق جديدة أمام قدرات ومواهب الشباب، وهو دور لايحتاج فقط إلى البحث فيه وربطه بشروطه التاريخية، ولكنه أيضا ضرورة لإنصاف جيل بأكمله عانى بعض ممثليه من الاضطهاد وتزوير الأدوار على يد حكم الاستقلال، كما وزع عددا من الكفاءات على المهاجر.

أبوبكر السقاف

الرائدان

شعرت بالحزن ونحن نقف دقيقة حداد على روح الفقيد الرائد الصحافي محمد علي باشراحيل أحد مؤسسي الصحافة الحديثة في بلادنا، والأستاذ عمر طرموم أحد مؤسسي الاتجاه الإسلامي في اليمن وأحد النماذج الإنسانية السامقة حقا.

إن المؤسس والديمقراطي حقا محمد علي باشراحيل مثل علامة مضيئة في ريادة العمل الصحفي. وقد كانت «الأيام» ولم تزل مدرسة لأهم وأبرز الكوادر الصحفية التي تربت على يد وقلم وفكر مؤسس «الأيام»، وهم جيل نعتز ونفاخر بإبداعهم وبالآثار التي تتجدد في حياتنا اليومية، ولاتزال «الأيام» مؤسسة لنهج ديمقراطي حقا.

عبدالباري طاهر

رحيل فارس الكلمة والوطن وقصة رسالة من عبدالناصر

أذكر مواقفه الوطنية والسياسية بالرغم من اختلاف أقرب الناس إليه مع أرائه القاطعة الصلبة، فلايذغن ولايتراجع عن شيء آمن بصحته وصوابه.

أراني مرة رسالة رسمية من سفير مصر في صنعاء، تحمل تحيات وشكر الزعيم العربي الخالد جمال عبدالناصر لمواقف صحيفته الوطنية والقومية، ويتمنى له التوفيق والسداد في مهامه النبيلة لخدمة الوطن اليمني والوطن العربي، كان يومها سعيدا بتلك الرسالة.. واقترحت عليه أن ينشرها في صحيفة «الأيام»، ولمس حماسي الشديد لفعل ذلك، فلم يجابهني، وإنما تمتم بوقاره المعروف إنه سيفكر بالأمر.. ولم ينشرها مطلقا حتى اليوم لأن تواضعه وعزوفه المكين عن الانتهازية والاتكاء على شهادة الكبار لمواقفه حتى ولو كان من بينهم الزعيم الخالد جمال عبدالناصر منعه من النشر واستثمار تلك الشهادات في معاركه السياسية والمتواصلة ضد خصومه في الرأي والكلمة الصادقة المضيئة.

أحمد محفوظ عمر

الباشا.. الرجل القومي الذي لايحب الضجيج

أول مرة أعرف فيها الأستاذ باشراحيل، عندما حضرت مقيل (رابطة أبناء الجنوب السنوي) ثالث أيام عيد الفطر في نادي التنس العدني، والرابطه شيء جديد دخل حياتنا في عدن، سعدنا بها، وسعدت بنا، وفهمت أن (الباشا) نائب رئيس (الرابطة) الفاضل، وتمضي السنون، وفي نفس المكان المكتظ بالناس، ونفس المناسبة أراه ولا ألقاه وعلى البعد نتبادل البسمة، وفي وسط هذا الجو الذي تلتقي فيه القلوب الصافية، والضجيج يشق فضاء المكان الواسع ألحظ الأستاذ (الباشا) يتبادل الابتسامه مع الحاضرين، وقد يميل بكل جسمه أحيانا إلى الجالسين بجواره ليستمع إلى حديثهم ويعود إلى صمته، وكان يستمع إلى الغناء بجديه واهتمام ويطربه، ويضحك حتى تدمع عيناة إذا ما سمع نكتة أو طرفة، وآخر مرة التقيته- ولم أره بعدها- في مبرزه صنعاء، وسردت حكايه طريفة لواحد يعرفه، فظل يضحك طوال المقيل كلما تذكرها.

وما عرفته على البعد أنه لايحب الضجيج من أي نوع، ويميل على الدوام في المجالس إلى الصمت والاستماع، وإذا ما سئل يجيب عن السؤال ويعود إلى صمته، وكان لا يميل إلى الاختلاط بالناس كثيرا إلا في المناسبات، ولم أقرأ له مقالا واحدا في الصحف المحلية حتى عندما كانت «النهضة» لصديقه ونسيبه المرحوم عبدالرحمن جرجرة ولسان حال (الرابطة).

الهيئة الإدارية لنادي الإصلاح العربي عام 1948.. الوقوف من اليمين ردمان هاشم، عبدالله سعد، عبدالله غانم كليب، عبدالقادر سعيد، قادري ثابت، عبدالرزاق محمد سعد، محسن النونو.. الجلوس من اليمين حسين عبده حمزه، علي غانم كليب، رئيس النادي محمد علي باشراحيل، أحمد محمد ناصر، محمد عبدالله البديجي
الهيئة الإدارية لنادي الإصلاح العربي عام 1948.. الوقوف من اليمين ردمان هاشم، عبدالله سعد، عبدالله غانم كليب، عبدالقادر سعيد، قادري ثابت، عبدالرزاق محمد سعد، محسن النونو.. الجلوس من اليمين حسين عبده حمزه، علي غانم كليب، رئيس النادي محمد علي باشراحيل، أحمد محمد ناصر، محمد عبدالله البديجي
وبعد انتهاء عضويته من مجلس عدن التشريعي، وعمادته لبلديه عدن، وبدون ضجيج، أصدر صحيفة «الأيام» وبدون ضجيج أيضا انسحب من (الرابطة)، ولم يقل كلمه سوداء في حقها، كما فعل البعض للأسف، فكان رجلا صاحب وفاء، ولعله حين رأى أن تكون صحيفته مستقلة دعاه هذا الموقف إلى الانسحاب، لأن الأمانة تقتضي ذلك.

وبهذا ضمن لصحيفته الانتشار السريع، وأصبحت ملتقى الأقلام الفكرية من كل اتجاه، تتجادل وتتراشق إلا إذا تجاوز الأمر حده أضاء الإشارة الحمراء، وضم إلى صحيفته صحفيا محترفا كفوءا هو الأستاذ أحمد شريف الرفاعي صاحب المواهب المتعددة، وأصدر صحيفه «الرقيب» وتركها، واستقر على «الريكوردر» الإنجليزية الأسبوعيه التي كان يحررها بنفسه، ويكتب (كلمة اليوم) في (أيامه) اليومية إلى جانب (خواطره) الاجتماعية الأسبوعية.

لقد كان (الباشا) يا أعزائي نموذجا فريدا في الصحافة.. متزنا.. صبورا، له خلفيته التجريبية للحياة، مكافحا لايبرح مكتبه طوال يومه من أجل الوصول إلى ما يريد، وكان لديه القدرة على الدخول في الصراعات المختلفة، ولكن دون اندفاع، أو انفعالات، كل شيء عنده بحساب وبرؤية وبقانون.

وكان يؤذيه لو مس أحد القومية العربية بسوء، ولايفوتني أن أذكر ناحية هامة في سلوكه، وهذه الناحية يقرها المجتمع ألا وهي سياسة - هات وخذ - الراسخة في تعامل الناس مع بعضها، لقد وقف (الباشا) إلى جانبي موقف الرجل الشهم في أمور تأخذ أوضاعا متعددة، ولايأخذ في اعتباراته العلاقات الشخصية أيا كان في تحديد مواقفه، وإنما مواقفه يحكمها منطق التقويم لمواقف الناس ولا شيء غير ذلك.إن الرجل الذي طوقني بموافقة الرجولية الأمينة، وخاض معارك من أجلي أملاها عليه الواجب الوطني والقومي، وصدقوني - ياسادة - إن (الباشا) الكبير كان واحدا من خمسة بكيت عليهم في حياتي!

فإلى جنة الخلد ياسيد الرجال!.

محمد مرشد ناجي

صاحب (الطريق الصحيح)

لقد جمعتني المعرفة منذ الخمسينات بالفقيد الراحل وجهوده الدؤوبة وتمرسه وخبرته منذ أن أصدر صحيفتي «الرقيب» بالعربية و«الريكوردر» بالإنجليزية من دار البعث لصاحبها الفقيد محمد سالم علي الذي شاركنا في إخراجهما.

كان له دور بارز في إتاحة المجال لكل المناضلين من خلال كتاباتهم في صحيفة «الأيام» التي تبنت الدور الهام لنصرة القضية الوطنية والقومية، وما نشر على صفحاتها منذ تأسست إلى إن توقفت هو خير دليل.

وكان لكاتب هذه الأسطر الإسهام البسيط في إخراج «الأيام» رصا وجمعا للأحرف مع زملاء منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، ولنا الفخر بما كتب في «الأيام».

علي عبدالواسع الكباب

مات فارس الكلمة

فقدت الصحافة اليمنية إحدى قممها التي لاتعوض والتي قلما يجود الزمان بمثلها على المستوى المهني والأخلاقي، لقد كان الوالد المناضل الراحل محمد علي باشراحيل أحد فرسان الكلمة القلائل الذين فصلوا بين الصداقة والعمل، بين الخصام والعمل، كان موهوبا ووطنيا مخلصا ساهم بدور رائد في تأسيس الصحافة الوطنية الحرة والمستقلة (رحمه الله)، لقد كان صحفيا من طراز نادر.

شارك بقلمه وجهده والنضال ضد حكم الاستعمار البريطاني، وفي الدفاع عن الثورة والنضال التحرري في الجنوب، بالإضافة إلى نضاله الصادق المخلص بدعوته إلى وحدة اليمن.

كان الوالد الراحل كبيرا في كل شيء في عمله وأيضا في أخلاقه.. كما كان فارسا حمل قلبا كبيرا للأصدقاء والأعداء.. نطلب من الله أن يلهمنا حسن تقدير تجربته الغنية في الصحافة اليمنية، وهذا ما نأمله من ولديه العزيزين الأخوين هشام وتمام باشراحيل.

لقد كان نمطا من أصحاب السلوكيات الرفيعة غير المتوافرين في هذا الزمان، وما أكثر الجنود المجهولين الذين يعملون بصمت ثم يذهبون بدون ضجيج.

إنني لم أكتب مرثية عنه، ولكنني أسجل ما لم يكتبه في صحيفة «الأيام» منذ إعادة صدورها بفضل المسيرة الديمقراطية والتعددية السياسية في بلادنا وما عجز قلمه عن تدوينه.

فقد كانت معركته مع المرض وكبر السن هي السطور الأخيرة في حياته، ولاشك أن الكثيرين منا كانوا يحسون بمدى معاناته وقلمه لايطاوعه على كتابتها.

أحمد عبدربه

وقفه إجلال للعميد

نحن لم نعرفه عن قرب، وخصوصا أيام النضال الحقيقي من أجل الوطن وهمومه، ولم تتح لنا الفرصه لمعرفة الكثير عن سيرته، وهو وأمثاله ممن أفنوا حياتهم وأحرقوا سنينها في سبيل وطنهم.

لقد عرفنا ما تيسر من سيرة أستاذنا الجليل الناصعة بحب الوطن والشعب، المعطرة برياحين الوفاء والإخلاص، والمدافعة باستماتة عن قضايا المظلومين والبسطاء من خلال أحاديث وشهادات الرجال الذين عاصروه وعايشوه وتعاملوا معه، ولم يختلف على شخصيته الفذة حتى الذين اختلفوا معه والذين ساعدهم وساندهم فظلموه، بل وشهد له أعداؤه، ويكفيه فخرا شهادة وزير المستعمرات البريطانية حينما قال له ذات يوم: «أنت وطني عنيد».

«الأيام» مدرسة صحفية مميزة مستقلة، وتعرف جيدا مهام الصحافة، وهي أكثر الصحف التزاما بقانون الصحافة (الغائب).. والإشاعات مجرد (فقاقيع) ستتلاشى في الهواء.. وستبقى «الأيام» قوية بقرائها ومحبيها بإذن الله.

عادل الأعسم

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى