الـسمـعـة الـدولية للحكومة اليـمـنية في الميزان إما التلكؤ أو تنفيذ الحكم لصالح الصريمة

> د. محمد علي السقاف:

> أنصف القضاء الدولي الشيخ أحمد بن فريد الصريمة، مالك شركة (خط الصحراء) في نزاعه مع الحكومة اليمنية بعد أن عجز القضاء اليمني عن حل موضوع النزاع بسبب غياب استقلالية القضاء عن السلطة وعدم قدرته على الحكم وفق منطوق القوانين وأحكام التعاقد بين الطرفين.

فقد أصدرت محكمة دولية متخصصة في النزاعات المتعلقة بقضايا الاستثمار، ومقرها باريس، حكماً في 8 فبراير الجاري لصالح الشيخ الصريمة طالبت بموجبه الحكومة اليمنية بدفع مبلغ يتجاوز الـ 25 مليون دولار دون تأخير لشركة خط الصحراء التي يمتلكها الشيخ أحمد بن فريد الصريمة، كتعويضات مالية عن العراقيل التي واجهها أثناء تنفيذه مشاريع بناء طرقات بمواصفات دولية في اليمن، هذا ما أوردته صحيفة «الأيام» بتاريخ 9 فبراير في صدر صفحتها الأولى نقلاً عن موقع (عدن برس).

والسؤال المطروح هنا يتمثل في معرفة كيف ستتصرف الحكومة أمام هذا الحكم القضائي الدولي الملزم؟! هل ستتولي دفع مبلغ التعويض بنية حسنة وفي الفترة المحددة لها في غضون أسبوعين من صدور الحكم أم ستسعى للمراوغة والتلكؤ في الوفاء بالتزاماتها؟! وماهي الاحتمالات والنتائج السلبية الذي قد يترتب على محاولة الهروب إلى الأمام من عدم الوفاء بالتزاماتها الدولية؟ فحكم المحكمة الدولية (وأحسب أنها نابعة من هيئة تحكيم دولية للمنازعات التجارية) غير قابل للاستئناف وهو حكم نهائي ملزم لجميع أطراف النزاع، وتبقى المسألة محصورة في طريقة تنفيذ الحكم بحسن نية وفي الموعد المقرر أو سلوك طريق المغامرة في محاولة التلكؤ والتأخير في سداد مبلغ التعويضات في الفترة الزمنية المحددة، ويأمل المرء أن تختار الحكومة الحل الأول لتحسين جانب من صورتها السيئة أمام المجتمع الدولي والشركات ورجال الأعمال الدوليين. أما إذا اختارت حل التلكؤ والمماطلة فسينتج عن ذلك تكريس صورة سيئة لحكومة لا تحترم أحكام القضاء الدولي، وما يستنتج عن ذلك من نتائج سلبية ليس على الحكومة فحسب، بل على الدولة اليمنية نفسها.

فمن جهة قد تضطر شركة خط الصحراء- العمانية الجنسية- ومالكها الشيخ أحمد بن فريد الصريمة إلى تقديم طلب بحجز ممتلكات وأموال للحكومة اليمنية الموجودة في الخارج كما حدث في نزاع شركة (كوالا فينو الكندية) مع الحكومة اليمنية وسريان فوائد مركبة عن مدد التأخير في الدفع، وهو ما تناوله تقرير لجنة الشؤون المالية لمجلس النواب حين عرضت موضوع الشركة الكندية ضمن بنود طلب الحكومة فتح اعتماد إضافي للموازنة العامة للدولة للعام المالي 2007، فقد اعتبر التقرير ما حدث مع الشركة الكندية أنه «ألحق أضرارا مادية ومعنوية ببلادنا»، وهذا ما قد يحدث أيضاً في حالة تقاعس الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها الدولية تنفيذاً للحكم القضائي الصادر في باريس.

ويلاحظ المرء تكرار حالات النزاعات بين الحكومة والشركات الأجنبية في الفترة الأخيرة، وملايين الدولارات التي اضطرت خزانة الدولة دفعها كتعويضات بأحكام قضائية أو كتسويات ودية مع شركات أجنبية، كما حدث في مطلع شهر يناير 2008 حيث أشارت بعض الصحف اليمنية (الشارع، الصباح، إيلاف) دفع الحكومة اليمنية مبلغ 40 مليون دولار أمريكي لشركة (أميك أسبي) الفرنسية تعويضاً عن فشلها في إنجاز مشروع مد أنبوب من بلوك 18 النفطي في مأرب إلى مشروع بلحاف لتصدير الغاز.

ولن نشير إلى حالات تعويضات دون أحكام قضائية دفعتها الحكومة بعدة ملايين من الدولارات، البعض منها دون وجه حق، ولعل أكثرها جدلاً ما دفع من تعويضات في 2001 لشركة (المنقذ) بمبلغ مليار وثمانمائة مليون ريال (نحو مليون دولار أمريكي)، في حين كان قد صدر حكم قضائي من محكمة صيرة بعدن اعتبر وثائق الشركة التي ادعت ملكيتها لأراض في منطقة كالتكس مزورة، وعوضت الشركة برغم ذلك الحكم القضائي لأسباب سياسية.

ومن هنا من مصلحة الحكومة وهي تسعى إلى قبول ملفها في منظمة التجارة الدولية كعضو فيها ألا يؤدي امتناعها عن تنفيذ حكم قضائي دولي إلى عرقلة قبولها في المنظمة الدولية، إلى جانب انعكاسات محتملة لموقفها المتردد في علاقتها مع سلطنة عمان المشاركة في مؤتمر المانحين في لندن، فالسلطنة كدولة نظام وقانون ملزمة بتقديم دعمها وحمايتها ومساندتها لحصول إحدى شركاتها المسجلة لديها، والتابعة لشخصية يحمل جنسية بلدها، على التعويضات المقررة له، ولو أدى ذلك- كما أتصور- إلى خصم المبلغ المستحق له من قيمة المساعدة التي وافقت على تقديمها لليمن في إطار اجتماع الدول المانحة في لندن في العام الماضي.

من المؤمل ألا يصل الأمر إلى هذا الافتراض المزعج ويتم معالجة الموضوع بحكمة وروية لمصلحة الاستثمار في اليمن أولاً وأخيراً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى