انطباعات عائد من المهجر

> عصمت السيد حسن حمود:

> لقد حالفني الحظ وعشت في عدة بلدان عربية ليست أغنى من اليمن، وبعضها لا يوجد لها دخل من قطاع النفط، ولكن المستوى المعيشي أفضل بكثير، والعملة أقوى من الريال، والمستهلك لايشكو من الغلاء.. إلخ، لكن المواطن اليمني مظلوم أكثر. الأعمال غير متوفرة، والتجار يستغلون الفقراء، والحكومة اقتصادها الأسوأ في العالم، وهي لا تحرك ساكنا لإصلاح الوضع!. اليمن يسودها نظام الغاب، فالقوي يغلب الضعيف، وذوو المناصب هم المرتاحون، وكم نسمع عن حكايات الظلم والمظلومين، ولكن ما من سميع ولا مجيب!، فماذا سيكون مصير هذه الأمة العريقة؟. إذا استمر التفاف وتكالب المسئولين فيما بينهم وصموا آذانهم عن نداءات الحق، ونسوا الطبقات الفقيرة من المجتمع وحقوقهم، فإن ذلك يشكل خطرا كبيرا على أمن واستقرار البلد، وسنرى تزايد السرقات والقتل وجرائم أخرى كبيرة لكسب لقمة العيش، وسيكون مستقبل شبابنا مظلما وكئيبا ولا يسر أحدا.

ومن خلال أيامي القليلة هنا لاحظت أن التفرقة العنصرية وغيرها قد تفشت كالسرطان في المجتمع اليمني.. فالمعاملة ليست سواء، لكنها حسب النفوذ والحسب والنسب.. فلا يوجد هناك- كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم- فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى، فالمسلم أخو المسلم، وديننا (دين المعاملة).

فياترى متى سنصبح مثل بقية دول العالم غيرالمسلمة التي لديها قيم أخلاقية رفيعة المستوى في التعامل مع الآخرين وحماية حقوق الضعفاء، وكل المواطنين متساوون بدون محسوبية وتفضيل؟!. إذا كنت غير محظوظ وليس لديك أصدقاء في مناصب عالية فيجب عليك أن تدفع رغم أنفك (رشوة) إذا أردت أن تتوظف، فأين نحن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم «لعن الله الراشي والمرتشي»، وأين نحن من قانون القوة، وليس قوة القانون للنظام الإداري في الدوائر الحكومية.

استغربت ودهشت لمشاهدة ما يشبه نظام (قطيع المواشي) في هذه الدوائر.. هناك فوضى عامة وسائدة في كل الأقسام، وقلة الموظفين فيها، فالمواطنون يصرخون بأعلى أصواتهم، والموظفون راضون بالفوضى حولهم!، أليس من الأجدر أن تعطي الإدارة المواطن رقما متسلسلا كي يتابع أموره بهدوء وعقلانية ومن دون إزعاج؟!.

هكذا يحدث في بلدان العالم المثقف والمتحضر، فأين نحن من هذا النظام؟!.

كذلك لماذا لا يوظفون الشباب والشابات في هذه الدوائر؟، فنحن نسمع ونرى شبابا كثر يبحثون عن وظائف ويتسكعون في الشوارع!. أرجو ألا يكون عذر المسئولين «إن الميزانية لا تسمح»، فأين تذهب أموال الشعب الكادح، ولماذا لا نعمل كي نعيش بهدوء في ظل نظام وإدارة قوية ووجوه مرحه غير عابسة وغاضبة وتلعن حظها كل يوم؟!.

لاحظت مع الأسف الشديد أن استعمال الألقاب العرقية والعنصرية ازدادت وكثرت، فأسمع من يقول هذا (تعزي)، وهذا (عدني)، وهذا (صنعاني).. إلخ، ولم أكن أسمع بمثل هذه العبارات في الماضي غير البعيد. وأعتقد أن هذه الظاهرة هي جزء من التخلف والفساد وانحطاط الأخلاق والقيم في المجتمع وتهميش تنمية البلاد.

لقد علمت من أصدقائي عن قذارة وإهمال المستشفيات الحكومية وغيرالحكومية، كذلك عن إهمال الأطباء لمرضاهم وعدم الاكتراث بمتابعة حالة المريض بعد خروجه من المستشفى.. إذن حياة اليمني معرضة للخطر، ومثلما يقول المثل (ما تساويش بصلة!)، هل توجد ميزانية للصحة في اليمن كبقية البلدان، أم أن الفقير يعيش تحت الذل والمهانة، وإذا مرض يموت؟!.

لدي عدة شكاوى أخرى مثل الطرقات العامة المهملة التي لم يرممها أي نظام منذ مغادرة الاستعمار البريطاني لبلدنا، كذلك الحال بالنسبة للمجاري، فهناك أماكن حساسة مثل منطقة البنوك وراء السيلة، حيث تنبعث رائحة كريهة كل يوم من تلك الأماكن، وهذا يدركه كل واصل إلى عدن من الخارج، فأين عمال النظافة؟، وكم هي ميزانية تنظيف الشوارع والطرق العامة، ناهيك عن الشوارع الخلفية التي تملؤها الرمال والتراب، وكأنك تمشي في صحراء!، فهناك أناس يعيشون وسط الزبالات والأتربة والأدخنة المنبعثة من السيارات التي لايجب ركوبها، لكونها قديمة وهيكلها شفاف ومتآكل. أين نحن من الرقابة والانضباط والاهتمام بالشعب ومصالحه والانتباه للأخطار التي تحيط به، وإرشاده لما يصلحه، وإبعاده عما يضره؟، أصبحنا مثل اليتامى، والمسئولون (كوز في طاقة)، لا يحركون ساكنا لمؤازرة هذا الشعب المظلوم، ولايعترفون بأنهم يؤذون شعبهم ويهملونه، وأنهم مسئولون أمام الله تعالى عن الرعية!.

هنا الكل يعمل ليومه، ولاينظر للغد ولا يخطط لمستقبله، ونرى بقية دول العالم تتطور، تصنع وتتقدم، ونحن ما نزال في دوامة كبيرة لانستطيع حتى أن ندير شؤون البلد الاجتماعية، ناهيك عن الاقتصادية والسياسية!، ونجلب الويلات للوطن.

في نهاية المطاف لاتوجد هنا وحدة ولا ديمقراطية ولا استقرار عام، فقط القوي يأكل الضعيف، تدهور في الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية، وتفشي الفقر المدقع بين الناس بسبب الغلاء الفاحش.. نهب وسلب وفساد وتفرقة بين أبناء الوطن الواحد واحتيال عليهم واستيلاء على أموالهم وأراضيهم. فلتان كامل وملحوظ، فالمسئولون يأخذون ولا يعطون، لذلك يجب ألا نخدع أنفسنا، ونصدق الأكاذيب وغش الشعب المسكين المظلوم الذي له الله وحده، وندعو له بالصبر والسلوان، ولكن للصبر حدود!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى