الرئيس علي ناصر محمد والنظرة الثاقبة

> تقي منصر القاحلي:

> من المؤكد أن رجلا بقامة وهامة الرئيس علي ناصر محمد عندما يتكلم يجب على الآخرين أن يصمتوا لكي يتعلموا منه، فرجل بحجم أبو جمال ذو حضور طاغٍ على القلوب قبل العيون، فهدوءه وحصافته وواقعيته هي من يقوده دائما إلى الصف الأمامي. قد يعتقد البعض بأنني ربما أعرف السياسي المحنك علي ناصر محمد والحقيقة أن ذلك ليس صحيحا.

الشيء الذي يمكن أن أقوله أنني يوما ما عندما كنت في مقتبل العمر لم أحبب شخصا كحبي لوالدي سوى هذا الرجل، ومازلت احتفظ بتلك المشاعر الودية التي أكنها لأبي جمال حتى اليوم، ولعل ظني وإحساسي بود تجاه هذا الرجل الوقور لم يتغير رغم مروري بمراحل كثيرة، ولقد أثبتت الأيام لنا بأن هذا الرجل يستحق بأن ينال إعجاب الناس به وتعلقهم بكل مايرتبط بشخصه الكريم ومن عاش في أوساط الناس في الريف والمدينة والصحراء ممن عاصروا فترة حكمه لجنوب الوطن سيجد الكلمات التي يجري بها قلمي على هذه الصفحات حية في وجدان هؤلاء الناس رغم تفاوت درجاتهم، فالكل يجمع بأن هذا الرجل يملك من المزايا مايجعله في مصاف الحكماء، إنه الجوهرة التي أضاعها الناس يوما ولم يدركوا قيمتها إلا بعد حين، وقد قيل في المثل (الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء لايراه إلا من فقده).

ويشهد كثير من أبناء الجنوب ممن كان معه أو ضده في فترة الصراعات السابقة أن الرجل كان دائما على مستوى المسئولية من نواحي عدة:

أولا : حدث انفتاح إبان حكمه في جنوب الوطن، وتوقفت أعمال المطاردات، ومنح الهاربون حق العودة والمواطنة، وشجعت الزراعة، وبدأ حراك اقتصادي في ذلك الوقت.

أقل مايقال عنه بأنه انفتاح غير عادي في زمن الحكم الشمولي الماركسي، واستتب الأمن وبدأ الجنوب يستقر نسبيا مقارنة مع الفترات السابقة، وهذ يدل على دهاء شخص الرئيس علي ناصر محمد، فقد شعر في وقت مبكر بضرورة الانفتاح مع دول الخليج، وقدم ورقة عمل إلى المؤتمر العام للحزب الاشتراكي آنذاك، وقد سماها المعارضون له (ورقة الخليج) نكاية به وبتوجهاته الانفتاحية.

إن من يتتبع سيرة الرئيس علي ناصر محمد سيجد أن رؤيته كانت تشبه إلى حد ما رؤية الزعيم جمال عبدالناصر فقد كان يرى أن من الخطأ أن نحشر أنفسنا في زاوية ضيقة بمعنى أن يكون النظام اشتراكيا أو مستلهما من الاشتراكية فقط، واعتبر أن الانفتاح على الآخرين من العرب والعالم الإسلامي وحتى ماكان يسمى بالدول الرأسمالية يعتبر شيئا ضروريا وهاما من أجل خلق التوازن والاستمرارية، وهذا ماكان يراه عبدالناصر (رحمه الله).

لقد قال برجنيف أحد رؤساء الاتحاد السوفيتي سابقا بعد لقائه علي ناصر محمد: «إن هذا الرجل يشبه إلى حد بعيد عبدالناصر»، وكذلك قال عنه الكثيرون من القادة الروس الذين التقوه مثل ما قال برجنيف.. ورغم أنهم ربما كانوا يشعرون بدعوته للانفتاح على العالم وتوجهاته المستقبلية آنذاك إلا أنهم ظلوا على علاقة جيدة به.

ثانيا: لم يكن يجيد الدخول في صراع أثناء توليه الحكم في الجنوب، وهذا ما يدركه كثير من أبناء الجنوب، وكان يفضل الابتعاد عن السلطة من الزج بالشعب في أتون صراع عسكري، وفي فترات لاحقة تحمل مسئولية الأخطاء التي حصلت في الجنوب خاصة أحداث 13 يناير، وقال لقد أخطانا جميعنا ونتحمل مسئولية كل ما حدث في الجنوب.

إنها شجاعة الرجل وتبصر الحكيم الذي يريد أن يعظ الناس كي لايقعوا في الخطأ مرة أخرى ولاتنكأ جراحاتهم.

ثالثا: ابتعد عن السياسة في سبيل وحدة الشعب وقصة إعلان تنحيه عن العمل السياسي، وإعلانه ذلك في تلفزيون صنعاء، ومغادرته الأخيرة كانت من الشروط السرية لإتمام الوحدة بين الشطرين، فكان بذلك مقدما مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية، مع كل ما ذكرنا سابقا لايزال مسكونا بحب اليمن، ولاتزال اليمن تعيش في وجدانه رغم منفاه الاختياري ورغم وطنيته ووحدويته وشعبيته التي لايزال يحظى بها حتى اليوم، وهناك من يريد إثارته وإدخاله في سجال عقيم أو بالأصح يريده أن يصمت فيقطع عرق الدم الذي يربطه بأبناء وطنه شماله وجنوبه وشرقه وغربه، وكأنه لاينتمي إلى هذا الوطن، وليس من حقه أن ينصح ويرشد لما فيه خير البلد والشعب خاصة وهو السياسي المخضرم الذي لنصائحه وآرائه صدى لدى زعامات وقيادات دول عربية وعالمية، ويحظى باحترام وتقدير، ويطلب رأيه في قضايا هامة ترتبط بها مصائر شعوب ودول.

ما دفعني لكتابة كل ما سبق ما قرأته في مقال الأخ علي ناصر محمد بمناسبة ذكرى الاستقلال 30 نوفمبر الذي نشر في صحيفة «الأيام» الغراء بتاريخ 2007/11/30م، ودعوته الصادقة الموجهة إلى رئيس الجمهورية شخصيا التي أجزم ومعي الكثيرون أنها نابعة من القلب، وهدفها الأول والأخير تجاوز الأخطاء والسلبيات وصيانة الوحدة التي اهتز بنيانها في الفترات الأخيرة.

وعلى الذين يعتقدون أن علي ناصر محمد سيكون جزءا من المشكلة نقول بأنه سيكون جزءا من الحل، وإذا أبت مكابرتهم إلا أن تضعه في مربع الخصم، حينها سيكونون (كالخروف الذي يبحث عن السكين).

وفي نهاية مقالي هذا قرأت قصيدة مكسورة الوزن تهاجم الأخ علي ناصر محمد أرسلت إليه من رقم محجوب وكلنا يعلم بأن الأرقام المحجوبة تتبع القيادات العليا بالدولة.. ورغم أنها لاتدل إلا على طفيلية من تبناها فإن أحدهم (يحفر قبره بيده!) والعبرة بالنهاية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى