ملامح عابرة من الثوابت الوطنية

> أحمد عمر بن فريد:

> ثلاث وقائع حدثت في مدينة عدن, يوم أمس الأول الاثنين, وجميع هذه الوقائع صرفت من نافذة واحدة , وهي النافذة الفعلية الحقيقية في البلاد .. النافذة التي يمكنها أن تنتج كل ما من شأنه التأكيد على أن الأمور قد باتت تسير في سياقات لا علاقة لها بمؤسسات دولة , ولا علاقة لها حتى بروح أو نفس القانون , ولا رابط لها بما يمكن أن يسمى الحس الوطني القادر على تسيير دفة الأمور المحتقنة إلى مراسي الهدوء والسكينة.. وإنما هي أفعال لا يمكن على الإطلاق إلا وصفها بالأعمال «الصبيانية» التي يمكن لزعران (الحافات) أن ينتجوها في مقابل زعران آخرين في الجهة المقابلة .

هي أفعال شنيعة بالمقياس الوطني .. ولا يمكن أن تصدر إلى تجاه «أبناء الجنوب» فقط .. ولا يمكن أن تقبل العقلية الوحدوية العظيمة أن يكون ضحيتها في المقام الأول إلا «جنوبي» .. تأكيدا ومع سبق الإصرار والترصد على حقيقة واضحة وضوح الشمس، مفادها أن ما يقوم به أبناء الجنوب هو نوع من أنواع ردود الفعل لا أقل من ذلك ولا أكثر .. ردود الفعل تجاه ممارسات «غريبة وغبية» في نفس الوقت, تحمل في طياتها بذور فناء هذه المغالطة الكبرى التي يتحدثون عنها ليل نهار ويسمونها «الوحدة اليمنية».

في الواقعة الأولى .. لا تزال جثة شهيد التسامح والتصالح الجنوبي صالح البكري ترقد في شتائنا هذا في ثلاجة مستشفى الجمهورية, تحت درجة صقيع تتساوى برودتها مع مشاعر أمنية تدعي أن من مهامها الحفاظ على امن وسلامة المواطن !! .. فبينما لا تزال «الخيمة التضامنية» منتصبة بشموخ روادها و أمام منزل الشهيد , لم تجهد الجهات المسئولة نفسها حتى بكتابة «وريقة استدعاء» صغيرة تجاه هذا المتهم بالقتل أو ذاك, حتى ولومن باب ذر الرماد في العيون.. في الوقت الذي ينزف فيه حبر هذه الجهات باطلاً كل يوم عبر طلبات الاستدعاء «المستفزة» التي تلاحق صحيفة «الأيام» ورئيس تحريرها الموجود في صنعاء, وكأنما المطلوب من الرجل أن يشطر نفسه شطرين حتى يمكنه تلبية مثل هذه الاستدعاءات «الوحدوية» العظيمة !!

وفي الواقعة الثانية.. يتفاجأ الجار للمحامي العزيز محمد محمود ناصر.. بوجود تجسيد حقيقي للقانون السائد في هذه البلاد , وهو «قانون القوة» متمثلاً في عدد (20) طلقة رصاص منثورة كحمام سلام أمام باب منزله!! .. تدشينا لمرحلة جديدة على ما يبدو من الاعتداء على صديقنا المحامي وأفراد عائلته الكريمة!

لكن الأكيد أن أحداً ما من الجهات الأمنية التي من صميم واجباتها العمل على كشف الجناة إو المتهمين لن تحرك ساكناً ذا نية حسنة في هذا الإطار , على اعتبار أن الخصومة التي تكبدها الرجل وأبناؤه كانت في الأساس مع بعض من هذه الجهات نفسها.. إنها مفارقة عجيبة لا يمكن أن تحدث إلا هنا ! وضد أبناء الجنوب فقط .

وتشير الواقعة الثالثة.. التي تعرض لها الأخ والشيخ العزيز صالح الحارثي, الذي يحمل ملفا متماسكاً بحسب القوانين والتوجيهات المؤكدة لحقه الشخصي في قطعة الأرض التي يمتلكها, أن هذا المال الخاص لا يمكن أن يقبل إن يكون «خاصاً» لابن الجنوب... وإنما يمكن - وعلى مضض - قبول الشراكة «الوحدوية» فيه ...وإذا ما أكد الجوار العقاري للحارثي تملك آخرين من الشمال لما هو أكبر مما يملك من حيث المساحة.. وما هو مجاور له في المكان والمخطط.. كان الرد الرسمي أن هذه الأرض (وحدها) تخضع لهذا القانون التعسفي أو ذاك في حين لا يسري هذا القانون اللعين على جيرانه الوافدين.. كما أن هذه الأرض وبحسب التوصيف الرسمي لها ومن فوق ترابها «أرض كبيرة».. وهي كذلك وفقاً للمنطق الذي لا يرى لأبناء الجنوب إلا حداً معيناً من القياس الجغرافي الممكن قبول امتلاكه, ويصبح تجاوزه تجاوزاً سافراً للخطوط الحمراء المقررة وفقاً لقوانين الثوابت الوطنية الجديدة ..تلك الثوابت التي تجيز للآخرين امتلاك مئات أضعاف ما يملكه الحارثي.

إن هذه النماذج الثلاثة التي يؤكد الواقع أنها لم تكن وحدها في يوم الاثنين الماضي, تعطي الانطباع الأكيد..أن التمترس والاصطفاف الجهوي بات هو القانون السائد في هذه البلاد, وأن القيم والمعاني الوطنية التي كنا نتأمل وجودها يوم 22 مايو 90 , قد باتت في عداد الموتى .. ليس بفعل ردود أفعالنا بكل تأكيد, وإنما بفعل «أفعالهم» بكل تأكيد أيضاً.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى