قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق

> محمد عبدالله باشراحيل :

> في أيام الحكم العنصري في جنوب أفريقيا، كان السود مهمشين، بينما كان البيض مميزين عنهم، وكانت لهم حقوق أكثر من حقوق السود، ومع محاربتنا ومناهضتنا بشدة لذلك الحكم العنصري وأمثاله، إلا أن ما يمكن قوله عنه أنه كانت لديه المصداقية في طرح موضوع التمييز العنصري بقانون. المشكلة في هذه البلاد حيث تمارس العنصرية فيه وبصورة مفضوحة، بالرغم من وجود قوانين تحرم مثل تلك الممارسات، وهو أمر يؤكد عدم مصداقية السلطة في تنفيذ القوانين التي تصدر بها من جهة، والعقلية القبلية لها من جهة ثانية، ولعل من من أبرزها في المحافظات الجنوبية مسألة التمييز والتهميش لأبنائها وقضايا نهب الأراضي والسطو عليها والاستحواذ على الثروة والاستيلاء على المال العام، ممثلا فيما كان يسمى قبل الوحدة بالقطاع العام، بمؤسساته الصناعية والتجارية والسياحية والخدمية.. وهذه الأمور في مجملها كانت لها انعكاسات سلبية على معيشة ومصادر دخول أبناء الجنوب، وأفرزت حالات منها:

1- خليك في البيت: هذه التسمية أطلقت على مجموعة الموظفين الحكوميين الذين أبعدوا منذ 1994م عن وظائفهم قسرا مع استلامهم مرتباتهم الأساسية التي بقيت شبه ثابتة على حالها حتى صدور قانون الوظائف والأجور عام 2005م، فمنهم من أحيل حينها إلى التقاعد ومنهم من ينتظر، وتضم هذه المجموعة أعدادا كبيرة من الكوادر العلمية المؤهلة التي همشت ولم يستفد من خبراتها وإمكانياتها العالية.

2- العمالة الفائضة: وهو مصطلح جديد للعاملين الذين كانون يعملون في مؤسسات القطاع بالمحافظات الجنوبية التي آلت ملكية معظمها إلى المؤسسة الاقتصادية، وقد أحيل معظم موظفي وعاملي تلك المؤسسات العامة للتقاعد وبمعاشات هزيلة، وهم مايزالون في عنفوان شبابهم، ومثلوا إضافة جديدة إلى صفوف البطالة المتزايدة.

3- المحالون إلى التقاعد: بحكم القانون وخاصة بعد منتصف عام 2005م، حيث كان المتضرر الأكبر من التنفيذ أبناء المحافظات الجنوبية الذين مثلوا أعلى نسبة للمتقاعدين في الجمهورية، وفي محافظة عدن وحدها تجاوز عددهم حاليا (30) ألف متقاعد مدني، وبمتوسط معاش شهري يقل عن (20) ألف ريال، ناهيك عن عدد المتقاعدين العسكريين الذين يفوق عددهم المدنيين، ولاتقل أوضاعهم المعيشية سوءا عن المتقاعدين المدنيين.

ولقد طال التقاعد أيضا معظم السفراء الجنوبيين، حيث من بقي منهم بدرجة سفير عامل لا يزيد عددهم عن عدد أصابع اليدين، بينما السفراء من المتنفذين أو أبناء القبيلة باقون في مناصبهم، بالرغم من تجاوزهم سن التقاعد منذ سنوات طويلة، ونفس الحال ينطبق على أساتذة الجامعات هنا وهناك والكيل بمكيالين.

4- المقاولون: مسألة المقاولات واحتكارها والتلاعب بالمناقصات معروفة للملأ، والمشكلة حتى المقاولات الصغيرة في المحافظات الجنوبية يهيمن عليها آخرون، وإذا رست مقاولة ما على مقاول جنوبي مثلما حصل في المقاولات الخاصة في عيد الوحدة الخامس عشر بحضرموت عام 2005، فإن كثيرا من أولئك المقاولين لم يتمكنوا حتى يومنا هذا من تحصيل مستحقاتهم من المالية.

5- أصحاب المحلات التجارية الذين يدفعون إيجارات، ويتحملون مرتبات وأجور العاملين والغلاء والمصاريف الأخرى كالكهرباء وغيرها تجد أمامهم محلات أصحاب المفارش أو الباعة المتجولين القادمين من خارج المحافظة، مما اضطر البعض من أصحاب المحلات إلى الإغلاق أو الإفلاس.

6- عدم تشغيل أبناء المحافظات الجنوبية في المشاريع الجديدة بمحافظاتهم، وتوظيف عمالة من خارجها، أمر أدى إلى زيادة البطالة وارتفاع نسبة الفقر فيها.

والقائمة المتعلقة بمنغصات سبل العيش وقطع الأرزاق في المحافظات الجنوبية طويلة ولا مجال لسردها هنا.

إن الحالات المشار لها أعلاه تعكس ما يجري في الساحة الجنوبية من تهميش وتمايز وظلم لأبنائها، يتنافى مع الدستور والقوانين والوثيقة الدولية لحقوق الإنسان.

والخلاصة، أراضينا مسطوّ عليها، وأخدت حقوقنا، ليس في الوظيفة والعمل فحسب، بل وفي كل مصادر رزقنا وعيشنا، وينعم المتنفذون بثرواتنا أمام أعيننا التي تأكلها الحسرة، بهدف إذلالنا وإضعافنا، ولكننا أقوياء بالحق، والحق قوة، ونحن لن نستكين أبدا والمثل يقول: «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق» والفرج قادم إن شاء الله.

* كبير خبراء سابق بالأسكوا الأمم المتحدة

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى