أبا خليل.. حضرموت لفقدك مكلومة

> علي الكثيري:

> كان وقع النبأ صاعقاً صادماً على حضرموت كلها، ذلك أنه انقض على الجميع صباح الأربعاء الماضي بفاجعة الرحيل المؤلم لأحد أبرز القيادات السياسية والإعلامية والإدارية، التي ظلت على مدار العقود الأربعة الفارطة تنتج بفعلها الجريء الخلاق اقتحامات متجددة لحراك حضرموت النهضوي.. إنها فاجعة رحيل المغفور له بإذن الله تعالى الأستاذ الصحفي والسياسي فؤاد محمد مسعود بامطرف، الشخصية البارزة التي تفانت في خدمة الوطن عموماً وحضرموت خصوصاً، وكان لها أدوار فعالة على أصعدة مختلفة من الحياة في هذه المحافظة، لعل بصماتها أكثر وضوحا بين جنبات إذاعة المكلا، ودار باكثير للطباعة والنشر، وفي أوساط صحفيي حضرموت وفرع نقابتهم، وفي معترك النضال السلمي على امتداد الثلاثة عشر عاماً الفارطة.

أحسب أنني أحد الذين كان وقع الفاجعة عليهم أشد إيلاماً، ذلك أننى واحد ممن عرفوه عن قرب منذ عام 1984م، وهو العام الذي أرّخ لبدايات التحاقي ببلاط صاحبة الجلالة، إذ وجدته طوال هذا المدى الزمني قيادياً متمكناً من طراز رفيع، وصحفياً ماهراً وجسوراً ومتمردا على أغلال الالتزام الحزبي وسطوة الرأي الأوحد، في زمن كان الصوت الآخر فيه مقموعاً، يوصم من يجهر به بـ (الخائن والعميل)، ووجدته قبل ذلك وبعده إنساناً بسيطاً وشهماً وخدوماً، لكنه في الوقت ذاته عنيد في مقاومة الباطل وفي مواجهة الصعاب واقتحامها، إذ كان -رحمه الله- من قاد عمليات تحديث الدار الطباعية الصحفية الوحيدة بحضرموت (دار باكثير) من خلال إدارته عملية تحولها من مطبعة متهالكة تعتمد على الصف اليدوي إلى دار ذات قاعدة مطبعية حديثة ومجهزة بآليات الصف الضوئي، بل أنه من أحدث نقلات تطويرية ملموسة في أداء إذاعة المكلا.

نعم إن مصاب حضرموت والوطن عموماً يفقد الراحل -أبا خليل- كبير، ذلك أن رحيل شخصية بحجمه لا يشكل خسارة على حزبه (الاشتراكي) بل يغدو خسارة على الوطن كله، وأحسب أن فراغاً ناجماً عن ذلك الرحيل سيتجلى على نحو ملموس في ساحات انتشاء الفاعلية السياسية بحضرموت، إذ تعرف كل قيادات الطيف السياسي بالمحافظة أن الفقيد -رحمه الله- كان يمثل من موقعه في حزبه أحد أهم القيادات التي لا يحد انفتاحها على الرأي الآخر والرؤى الأخرى أي حدود، بل أنه في معترك العمل الوطني وتبني القضايا الوطنية يعد من أبرز الذين ينطلقون متحررين من أي انشداد لـ(اللون الحزبي)، وفي السياق ذاته أشهد له بالاقتدار على التعاطي الإيجابي مع كل رأي مخالف، وتفهم حيثياته واحترام أية قراءة مغايرة تترتب عليها مواقف أخرى، إذ جمعتنا به- نحن في فرع الرابطة (رأي) بالمحافظة- الكثير من مشاهد الاتفاق والاختلاف طوال العشرة أعوام من التنسيق والعمل المشترك، فوجدناه دائماً من القيادات القليلة التي ترفض أي احتكار للحقيقة، ومن أبرز القيادات التي امتلكت عقلية نابذة لأي فكر أحادي يترتب عليه ممارسة مختلف صنوف الإقصاء والإلغاء والإبعاد تجاه الآخرين.. ومن هنا كنا نراه دائماً لا يتردد عن التراجع عن أي رأي أو موقف يتأكد له أنه ليس الأصوب. ويمضي بكل حماس على الأخذ بأي توجه أو رؤية يقتنع بأنها الأصلح والأنضح، وفي الاتجاه ذاته لم نعرفه متشدداً أو متطرفاً في أي موقف من المواقف، بل ظل عنواناً للاعتدال والمرونة والسماحة. وكان -غفر الله له - من أشد الحريصين على تضافر جهود الفعاليات الحزبية في حضرموت، وتوحيد صفوفها في مضمار مواجهة كل أشكال الظلم والتسلط والإفساد والنهب والتمييز والتهميش، التي يكابدها ابناء المحافظة، وتطوير وسائل النضال السلمي باتجاه تحقيق حاجات حضرموت وتطلعات أبنائها.

يوم الأحد الفارط 24 فبراير التقيت بـ (أبي خليل) -رحمه الله- مرتين، حيث جمعنا لقاء صباحي مع عدد من قيادات بعض فروع أحزاب المعارضة وعدد من الصحفيين بالمحافظة بمقر فرع التجمع اليمني للإصلاح بالمكلا.. وقدر الله أن نلتقي مع هؤلاء وغيرهم عصر اليوم ذاته بمقر منظمة حزب الاشتراكي بالمكلا في سياق مشاركتنا في المؤتمر الصحفي لفروع أحزاب المشترك وحزب الرابطة وحزب التجمع الوحدوي بالمحافظة. وخلال اللقائين كان الفقيد في أوج حالات الحماس والصفاء والحيوية ورغم ما يبدو عليه من إنهاك شديد نتيجة لمعاناته من أمراض السكري والضغط والقلب، وكان في كل حركاته وسكناته يظهر إرادة قوية هازمة لوطأة المرض، إذ تحدث في اللقاء المسائي راسماً توجهات سياسية من شأن الأخذ بها لتأسيس مرحلة جديدة وفارقة لمسار الحركة النضالية السلمية وإحداث اختراقات مهمة في جدار الحالة المأزومة غير السوية التي تستبد بحضرموت (أرضاً وبشراً)، وقدم في سياق حديثه تصورات عملية لمقتضيات تعزيز العمل النضالي المشترك بين فروع الأحزاب السياسية بالمحافظة.. مبدياً حرصاً شديداً على تنمية خطوط التقارب والتلاحم بين فروع الأحزاب، من خلال دعوته إلى جعل قضايا حضرموت وضرورات حياة أبنائها العنوان الأهم الذي يتوحد على أساسه الجميع

نعم كان أبو خليل في حالة لم أره خلال السنوات الماضية أصفى وأزهى منها، كان يمضي في حديثه وكأنه لا يريد أن يبقي شيئاً للغد، كنا جميعاً ننصت باهتمام غير عادي لكننا لم نكن نعلم أنه يودعنا، إنه يتلو علينا وصيته الأخيرة.

رحم الله أبا خليل وتغمده بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى