بين القناعة وعدمها يقف خيار الحل أو التكتيك

> هيثم الزامكي:

> ماذا يمكن أن نسمي حركة الاعتصامات التي شهدتها ومازالت المحافظات الجنوبية منذ عام تقريبا؟ وبماذا نفسر وجود شهداء، جرحى، ومعتقلين خلال تلك الاعتصامات؟ وعلى ماذا يدل تحقق تلك الأحداث ضمن المحافظات الجنوبية؟ أسئلة مهمة للوقوف على حقيقة مازالت محل شك لدى البعض.

وبتجرد وموضوعية خالصة نؤكد أن ما يحدث هو بكل وضوح يعبر عن وجود أزمة حقيقية تمر بها الوحدة اليمنية، ومن الأسلم لنا جميعا الاعتراف والاقتناع بذلك، واستثمار الوقت الذي ننفقه في إثبات حقائق مغايرة، لن يغير إثباتها أو نفيها كثيرا من حتمية معالجتها.

لقد شكلت حركة الاعتصامات تلك نموذجا للنضال السلمي، وعكست روح المجتمع المدني، وقدمت تجسيدا حقيقيا للوعي الديمقراطي الذي ينبغي الحفاظ عليه وتطوير جانبه السياسي، بعيدا عن كل مظاهر التوتر والعنف، وبالمقابل اتسم تعاطي السلطة مع تلك الاحتجاجات بالتأرجح وعدم الوضوح، فمن جهة قدمت السلطة إشارات توحي بتفهمها لتلك الاحتجاجات، ومن أهم تلك الإشارات:

- الوعد الانتخابي لفخامة الرئيس أثناء حملته الانتخابية للرئاسة في مدينة عدن الذي تعهد فيه بإصلاح كافة الاختلالات التي رافقت مسيرة الوحدة، بالرغم من أن ذلك الوعد جاء قبل عام تقريبا من بدء حركة الاحتجاجات، إلا أنه يعتبر من الإشارات الإيجابية التي أوحت بتفهم السلطة لوجود خلل تمر به الوحدة اليمنية.

- تشكيل لجنة تقصي الظواهر الاجتماعية والحفاظ على السلم الأهلي، وإرسال الوفود الرسمية لتقصي الحقائق، وإعادة جزء من المتقاعدين، وإصدار قرارات التعيين والتعويض لبعض الجنوبيين، كلها تعتبر إجراءات وإشارات تدعم مبدأ تفهم السلطة لتلك المطالب، بغض النظر عن نقاط الاستفهام الكثيرة حول تلك الإجراءات، التي بالتأكيد تحتاج إلى تطوير وجدية وتعمق في معالجة المشكلة.

ومن جهة أخرى وبموازاة لتلك الإشارات الدالة على تفهم السلطة للاحتجاجات الجنوبية، قدمت السلطة أيضا إشارات أخرى دلت على عدم تفهم واقتناع السلطة بتلك الاحتجاجات، ومن أهم تلك الإشارات:

- استخدام العنف المبالغ فيه للتصدي للاعتصامات الجنوبية، على الرغم من طابعها السلمي.

- محاولة شخصنة تلك الاحتجاجات، وإظهارها وكأنها حركة أشخاص متضررين من السلطة، وبأنها لاتعبر عن رأي شعبي، وبالتالي توجيه جهود السلطة نحو الأفراد أكثر من تركيزها نحو قضيتهم.

- عدم تقديم أية مبادرات شاملة تعالج جذور المشكلة، والاكتفاء بالإجراءات المذكورة أعلاه كأقصى ما يمكن تقديمه لحل هذه المشكلة، مع تأكيدنا على ضرورة تعامل الجميع بإيجابية مع تلك الإجراءات، طالما سينتج عنها إعادة أي حق من حقوق الناس أينما كانوا وكيفما تعددوا.

وبالمحصلة الكلية، لايجب النظر إلى مجمل إشارات التفهم أوعدم التفهم التي قدمتها السلطة بمنظور قطعي، يضعها في إحدى خانتين، إما الحل أو عدمه، بل يجب النظر إليها بصورة كلية، ودعم الإيجابي منها للحل، وإصلاح السلبي منها المعطل أو المؤخر للحل، وبشكل عام فإن أية إجراءات لاتتعامل مع جذور المشكلة، ويعتمد تنفيذها على القوة وسياسة الأمر الواقع، لايمكن اعتبارها حلا، وغاية ما يمكن أن تحققه من نجاح هو ترحيل المشاكل وليس حلها، وعلى المعنيين بالأمر التوجه إلى الإجراءات والمبادرات التي تتسم بالشجاعة والنظر إلى المستقبل، وتهتم بالأسباب الجذرية لخروج الناس إلى الشارع، أكثر من اهتمامها بالحلول الآنية التي يمكن أن تعيدهم إلى بيوتهم.

وأهم مايمكن النصح به في هذه المرحلة أن يقتنع الجميع بحقيقة المشكلة، لأن الاقتناع وحده سيقود إلى الحل، ويدل على مفاتيحه، أما عدم القناعة بالمشكلة من الأساس، فلن يقود إلا لترحيل المشكلة أو تفاقمها، وسيؤدي أيضا إلى الاعتماد على التكنيك لتثبيت عدم الحل، بدلا من الوصول إلى الحل ومن ثم استخدام التكنيك لتثبيته، وعليه فلن نمل من الدعوة إلى تحكيم العقل وفتح نوافذ الحوار، وعدم الخوف من مناقشة قضايانا بشجاعة ووطنية، بعيدا عن ضغوط عدم الثقة والخوف من المجهول.

ونحن على يقين أن ذلك المجهول سيحمل الخير للجميع، إذا منح الجميع نفسه فرصة لتأمل حقائق الأمور، وتشارك الكل في التفكير بـواقعية لما فيه خير وسلامة واستقرار البلد.

والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى