أحمد الربعي مسكون في ذاكرتنا الجمعية

> د. هشام محسن السقاف:

> فقدت دولة الكويت الشقيق يوم الخميس الماضي أحد وجوه الفكر والسياسة والإعلام د. أحمد الربعي الوزير والنائب السابق، وواحد من المعدودين في وضع رؤية إستراتيجية للتربية والتعليم في الوطن العربي، تذكرني دائما بالوزير المثقف في التراث العربي والإسلامي بعد أن تلاشى ذلك- أو كاد- ليحل محله الوزير الموظف. لقد قام الربعي بجهد محمود في مجال التعليم، قرنه بفلسفة تربوية تنهض بالشعوب العربية من تحت رماد التخلف الذي لازم الحالة العربية بتكويناتها القطرية المعاصرة التي لم تستفد- بقدر ما أضاعت- من إمكانات النهوض بالاستناد إلى طفرة النفط، طالما ظل الإنسان- حجر الزاوية- مغيبا ومهمشا ومنتهك الحقوق، وظل التعليم في ذيل الأولويات، بينما تضخمت الأجهزة البوليسية والقمعية والجيوش التي تشبه الفزاعات- للشعوب طبعا- وليس لتحرير فلسطين.

حضرت الكويت الدولة الشقيقة في ذاكرة الموجودين في اتحاد الأدباء بلحج- وهي التي لم تغب أبدا- عندما تدارسنا شعرا ونثرا ونشاطا عاما حياة الأستاذ الشاعر الأديب أحمد السقاف بمناسبة اختياره كشخصية للعام 2007، من مؤسسة القرين الثقافية، بالتشارك مع المجلس الأعلى للثقافة والعلوم والآداب بدولة الكويت، وتكريمه بعد أن كرمته الدولة هناك، وقد نبهني أحد الحاضرين في تلك الأمسية أن يومنا ذاك يصادف العيد الوطني للكويت الشقيق، فأجزلنا التحية والتهنئة للكويت شعبا وأميرا وحكومة، وأشرنا في سياق الحديث للدور التنويري الذي تلعبه الكويت على المستوى العربي منذ ما قبل استقلالها في مطلع الستينيات الماضية ولازالت، وماكان يخطر في بالي أن تنعى إلينا الفضائيات بعد هذه المناسبة بأيام رحيل د. أحمد الربعي السياسي الذي يطل على السياسة من بوابة الفكر والفلسفة، والحاضر بكثافة المفكر والفيلسوف في الفضاءات الثقافية والعربية، لاسيما في بلادنا، وقد ارتبط بحميمية المثقف مع أقرانه من الأدباء والمثقفين، وحتى في الأوساط الشعبية، وكم كان د. الربعي متميزا في التفريق بين المواقف الرسمية والشعبية إبان محنة احتلال دولة الكويت من قبل نظام صدام المباد، ويذكر من استمعوا إليه في محاضرات له في عدن وحضرموت وصنعاء كيف يثني هذا المثقف الكبير على المواقف الرجولية للكثير من المواطنين في حضرموت، ممن احتفظوا بأمانات ومقتنيات بعض الأسر الكويتية وأعادوها لهم بعد المحنة.

وابن الكويت البارز د. أحمد الربعي الحائز على الدكتوراة في الفلسفة من الولايات المتحدة، وأستاذ الفلسفة بجامعة الكويت، محسوب على اليسار الكويتي ضمن اكتظاظ المشهد الكويتي منذ التكوين السياسي الحديث للكويت بتيارات السياسة والفكر من مختلف المدارس السياسية والفكرية في فسحة للحرية المسئولة أبرز تجلياتها الصحافة الكويتية ومجلس الأمة والتشريعات الجديدة التي تمضي بالبلاد إلى مصاف متطور وعصري، مع الحفاظ على الخصوصيات الذاتية للكويت.

وفي كل ما تقرأه في ثنايا فكر وعمل ونشاط أحمد الربعي تجد المسئولية الوطنية والقومية حاضرة حتى النخاع في كل ما يكتب، فالحاضر في المنتديات الفكرية ومنظمات حقوق الإنسان، يطل على قرائه من أكثر من صحيفة كويتية وعربية منها «القبس» و«السياسة» و«الوطن» وصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية.

وأثناء محنة مصارعة د. أحمد الربعي للمرض الخبيث ظل ذلك الكويتي الصلب الذي لاتلين قنوات فكره وعقيدته ورؤاه للوهن حتى اللحظة التي فارق فيها حياتنا الفانية يوم الخميس الماضي.. رحمه الله رحمة واسعة!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى