مفارقة سوفوكليس في سقطرى

> د. سعيد الجريري:

> أما مفارقة سوفوكليس تلك الدارمية تبدو عندما نرى شخصية تتصرف على نحو يتصف بالجهل بحقيقة ما يدور حولها من أمور، وخاصة عندما تكون هذه الأمور - بالصورة التي تراها بها الشخصية - مناقضة تماماً لوضعها الحقيقي، كما في (مأساة أوديب) لسوفوكليس المسرحي اليوناني العظيم .

وأما سقطرى فهي الجزيرة الجميلة السابحة في المحيط الهندي، التي تعد من أجمل المحميات الطبيعية في العالم .

ولكن ما علاقة سقطرى بسوفوكليس ومفارقته؟

قرأت مؤخراً في ملحق الثورة السياحي: 14 فبراير 2008م، أن رحالة يمنيين يشدون الرحال جواً من صنعاء إلى سقطرى ليقطعوا مناطقها مشياً على الأقدام منظمين فعاليات توعوية تستهدف معظم سكان الجزيرة وطلابها وطالباتها، وأعضاء المجالس المحلية (!!)، مستخدمين أشرطة ومحاضرات ولوحات قماشية للتوعية بأضرار القات (!!) .

عظيم! لكن قارئ الخبر غير العارف بالجزيرة سيظن أن سقطرى هي القمقم الذي ينطلق منه مارد القات كل يوم، ليسوّد عيشة أهل اليمن بكرةً وأصيلاً، وسيظن أن أولئك الرحالة قد أكملوا رسالتهم حتى لم يعد في مناطقهم إلا ثلة من الموالعة يتلاشون ويتساقطون واحداً تلو الآخر، ولم تبق إلا سقطرى التي تصدر كارثة القات اليومية - كما هو في الوهم - إلى مناطق اليمن وجهاته الأربع !

لكن حقيقة الصورة مقلوبة أقداماً على رأس. فهل تجهل الجمعية المنظمة للرحلة حقيقة ما يدور حولها ؟ وهل يعي الرحالة حقيقة الأمور إذ يرتحلون من صنعاء إلى سقطرى ليوعَّوا أهلها بأضرار القات القادم إليهم أصلاً من هناك وليس العكس؟

القات - إن كنتم لا تعلمون - لا يزرع في الجزيرة (ولا في mbc) وليس له تاريخ فيها ولا جغرافيا . إن هي إلا سبع سنوات وعشر فقط !! وليس للجزيرة سوى منفذين جوي وبحري ولا يصلها القات إلا على متن طيران اليمنية، فلا علاقة للخطوط الجوية الصومالية والإثيوبية أو الإريترية بالموضوع على أية حال .

فمن الأولى بالتوعية؟ السقاطرة أم سواهم؟.. أوليس الأجدر بالرحالة (التوعويين) أن يخطفوا أرجلهم فردة كعب إلى مكتب اليمنية أو يسعوا على أقدامهم بين دوائر القرار، تضامناً مع سقطرى التي اتخذ مجلسها المحلي قراراً تاريخياً بمنع القات، مرتفعاً بذلك إلى مستوى مسؤوليته الوطنية والأخلاقية، بعد أن وعى - نعم بعد أن وعى - السقاطرة أحابيل القات وخطره الداهم على الحاضر والمستقبل بيئةً وإنساناً. وإذا وعوا ذلك وقرروا، امتنع غيرهم عن تنفيذ القرار في مطار جزيرتهم متذرعاً بأن المنع يقتضي تشريعاً قانونياً من مجلس النواب!. وهي ذريعة لا سند لها من قانون أو دستور، بل مردود عليها بقانون السلطة المحلية.

ألم يكن جديراً بالتوعويين استهداف من عطل القرار في المطار ؟

سيقول قائل : دعهم يوعون أهل سقطرى بأضرار القات، فما الضير من ذلك ؟

بل ثمة ضير. إن في الأمر قفزاً على الحقيقة والواقع وخلطاً للأوراق، وادعاء لا يساوي كلفة السفر جواً والإقامة السياحية براً، وتجري عليه استعارة تمثيلية من قول الشاعر محمود درويش : (في كل مئذنة حاو ومغتصب/ يدعو لأندلس/ إن حوصرت حلب)!!

فهل الرحلة إلى سقطرى - من حيث هي- سياحية أو توعوية ؟

إن كانت الأولى فثمة انزياح غير جمالي.

وإن كانت الأخرى فقد ضلت سبيلها، فبدت بهيئة كاريكاتيرية تستفز موقفاً يستجلي مفارقة سوفوكليس في سقطرى!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى