ضمير التاريخ

> عبدالقوي الأشول:

> الوزير الخطاط.. محمد ابن (مقلة).. اسم ارتبط في كتب التاريخ بمأساته التي لم يكتف فيها جلاده بقطع يده ورميه في زنزانة خرساء، إذ قطعت لسانه بعد ذلك.

مأساة ارتبطت في ضمير التاريخ بقدر الظلم والإمعان فيه.. كان ذلك في عهد الخليفة (محمد بن المعتضد).. حين بلغت الوشاية بالوزير ابن مقلة منتهاها.. ولم تشفع له قدراته ولا مهارة الخط العربي الذي أبدع فيه حتى قيل إن انتشار الخط العربي يعود لمدرسة ابن مقلة وفلسفته المدهشة في هذا المجال.

هكذا بدا أن وزراء الإعلام العرب في ميثاقهم الإعلامي الجديد الذي جاء كاجتهاد منهم يتوافق وطبيعة الأنظمة التي يبدو حنينها لماضي الأمس والإعلام الموجه نسقا يصعب تجاوزه.. إنهم يقدمون (يد ولسان) ابن مقلة مرة أخرى للحاكم.. متجاوزين طبيعة العصر وثورته المعلوماتية والفضاء المفتوح الذي ليس معه إمكانية العودة إلى ماضي الإعلام الموجه والوزير الفذ الذي يقف على ركامات المطبوعات قبل أن تصل إلى القارئ.

حقا واقع الحياة يفرض الانتباه لأمور كثيرة، وتجاهل الزمن وأدواته ومخترعاته تسفيه للعقل ومغالطة للذات، لاتجدي وواقع الحال في مجتمعنا مثلا يشير إلى فقدان أجهزة الإعلام الرسمية علاقتها بالمتابع والقارئ، إذ تظهر الاستعاضة مثلا عن القنوات التلفزيونية المحلية والفضائية اليمنية بقنوات أخرى أكثر مهنية وشفافية، ورغم البنود أو الاعتمادات المالية الهائلة التي تقدم لوسائل الإعلام الرسمية إلا أنها لاتمتلك القدرة على التأثير.. في حين لايمثل إسهامها في تقديم النصح والمشورة للحاكم شيئا، فهي ملكية أكثر من الملك، والمهم لدى من يرون أنفسهم يمتلكون الحقيقة والنزاهة والوطنية أن لا أحد يحاسب عن بنود الاعتمادات التي تستنفد خلف (مانشيتات) الخديعة والنفاق والمكر الذي يلتقي في نهاية المطاف مع آلية الفساد المرضي والمسكوت عنها، رغم ما بلغت في أحوال مجتمعنا من مدى ينذر بتداعيات عاصفة، وربما مفاجئة، بحسب الكثير من آراء الاقتصاديين ممن يرون بقلق شديد ما ستؤول إليه الأمور في ظل هذه الألية المتحررة من المساءلة والمحاسبة، طالما وهي تصب في مجرى تنزيه الحاكم وآليته العقيمة التي لاتظهر وسط هذه الضبابية إرادة سياسية حازمة يمكنها أن تحفظ ماء الوجه من تداعيات تبدو نذرها مؤسفة على أكثر من صعيد، ولينظر المتابع وكل ذي بصيرة إلى إمعان أجهزة الإعلام الموجهة في وصف الحراك الجنوبي بالفقاعات التي لاتستحق الاهتمام.. إلى ماذا آلت الأمور خلال أشهر وجيزة.. ما جعل قضية الحراك الجنوبي المرتبط بجملة استحقاقات منطقية تلتقي بعد كل هذه الغفوة غير المبررة بعدد من قضايا الواقع الحياتي المتفاقمة، خصوصا الاقتصادية، فحراك الجنوب اليوم لاتحركه شلة مطالبين أو باحثين عن مكاسب أو مكانة.. ومثل تلك التقديرات الخاطئة خصوصا الإعلامية منها أسهمت في التقليل من نذر الخطر بصورة بعيدة عن المسئولية والوطنية، وبواعز المنافع والامتيازات التي يحظى بها ثلة المدمنين على النفاق والمكاسب متجاوزين آلام المجتمع، وما بلغه من بؤس وفاقة في ظل غياب عنصر التنمية، الرهان الوحيد للخروج من هذا المأزق الصعب.

حقا نحن أمام مستجدات عاصفة، إن لم يتم تدارك الأمور بإرادة مسئولة، فقبضة العسكر لاتبدو مجدية بأي حال أمام حجم الزحف الجماهيري الواسع، سواء زحف حراك الجنوب نحو تفعيل وإظهار قضيته العادلة أم زحف طوابير العاطلين والمسرحين ممن يغنون بحسرة وألم على ركام وأنقاض ومقدرات دولة كانت قائمة تم إهدار كامل إمكانياتها وطاقاتها البشرية بصورة مؤسفة وغير مسئولة تلبية لأهواء قلة، وعلى حساب أماني وتطلعات شرائح المجتمع الواسعة التي باتت تعلن عن حجم سخطها وألمها من خلال كم هائل من جمعيات المسرحين من أعمالهم، وطوابير الشباب الذين يقفون منذ ما يقارب عقدين من الزمن في طوابير البطالة المتزايدة.

فهل يمتلك الإعلام الموجه القدرة بعد كل هذه التداعيات على مخاطبة هذه الجموع بقدر من تسفيهاته ومغالطاته، أم أن الزمن قد فات هؤلاء حتى وجدوا في تخريجة ميثاقهم الجديد ما يوحي لهم أن الأمور ماتزال تقف عند حدود أدوات الأمس وماضي الزمن الذي مضى وانقضى.. وحقا ضمير التاريخ سيروي مأساة هؤلاء البسطاء مع من تآمروا على حقوقهم، وانتزعوا لقمة عيشهم، وقضوا على أحلامهم وآمالهم.. بوطن يكتنف الجميع دون استثناء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى