الغلاء والدولة والمجتمع

> أحمد سالم شماخ:

> أصبح الغلاء ظاهرة عالمية تئن تحت ثقلها كثير من المجتمعات، ولم يستطع أحد حتى الآن أن يحدد سببا رئيسيا لذلك، هناك من يقول الفوضى السياسية (أو الفوضى الخلاقة)، والآخر يقول التغييرات المناخية وتزايد عدد سكان الأرض.. إلخ إلخ.

ما يهمنا في هذا المقال هو تأثير ذلك على المجتمع اليمني نظرا لتدني دخل الفرد وتعاظم شريحة محدودي الدخل، والدولة التي تقف مذهولة ولاتدري ما تعمل حيال ذلك، إذا افترضنا فعلا الرغبة لإيجاد حلول.. الأسعار العالمية أصبحت ترفع يوميا تقريبا، وحتى اختلت موازين التعامل التجاري فكثير من التجار يعقدون الصفقات بأسعار ومع شركات عالمية لها سمعتها، ولكن سرعان ماتنقض تلك الشركات وتطالب التاجر اليمني والعربي إما بقبول السعر الجديد السائد في السوق أو تهدد بعدم قدرتها على الشحن وما على المضطر إلا القبول.. لا أريد بهذا تقديم أعذار للغلاء الفاحش، ولا تبرير بعض التصرفات غير المسئولة، ولكن هذا كان مدخلا لابد منه لموضوع مقالنا.

الجميع يعلم أن المصروفات التي يتكبدها كل رب أسرة لاتنحصر في المواد الغذائية فقط، بل هناك العديد من المصروفات التي هي في حكم الضرورات، وإن كان لا أحد يأبه لها، ربما لو أعطيت شيئا من الاهتمام والدراسات لخففت من فجائع المشكلة، ودعونا نهتدي بالحكمة الصينية التي تقول (أن توقد شمعة خير من تلعن الظلام).. ولنبدأ بدور الدولة، فماذا لو عملت الدولة جاهدة وركزت اهتمامها لتحسين الأوضاع الصحية للمستشفيات والمراكز الصحية العامة، وقامت بما يشبه الثورة في هذا القطاع، وقدمت خدماته بصورة جيدة وبتكاليف لاتثقل كاهل الأسر الفقيرة بما في ذلك الأدوية بأسعار معقولة.. ماذا لو ركزت باهتمام جاد على تحسين مستوى التعليم ومراجعة البرامج التعليمية والتكاليف التي لاجدوى منها، والسائدة حاليا، وعملت على معالجة هذا الوضع الشائن، وقدمت تعليما ذا مستوى معقول وبتكاليف مقدور عليها لوفرت على رب الأسرة كثيرا من النفقات، ولا أريد أن يقول أحد إن التعليم مجاني، ولكن انظروا إلى ما يتحمله رب الأسرة من صرفيات غير منظورة تفقد الحليم صوابه.. التلفون الثابت والجوال أصبح ضرورة، والأسعار المفروضة مبالغ فيها للغاية، ناهيك عن غياب الرقابة على شركات الهاتف، وبكل تأكيد لو هبطت التسعيرة إلى خمسين بالمائة من الأسعار الحالية لما تأثرت شركات الهاتف بشكل كبير.. الإنفاق المبالغ فيه في مظاهر غير ضرورية كالمواكب والتنقلات المكلفة أو المشاريع التي يمكن أن تؤجل وتوفر الأموال لدعم الخدمات التي ذكرنا لكان أجدى وأفضل وسيأتي الزمن الذي ستطبق فيه المشاريع المؤجلة بدون أن تخلق معاناة على الاقتصاد الوطني والوضع المعيشي للمواطن الغلبان.

لاحاجة لدعم البترول أو الديزل أوالمواد الغذائية، فقد أثبتت التجارب أنها لاتصب في مصلحة المواطن، ولاتخفف من معاناته، علاوة على أنها بوابات ضخمة متنوعة للفساد بأنواعه، ولكن تركز الدولة على دعم الكهرباء والماء والتشديد على ذوي النفوذ في دفع مستحقاتهم للكهرباء والماء، أما الغلبان فهو ملتزم، وعليه أن يدفع وإلا فصورة المقص الذي يرمر للفصل تصله في إشعار الكهرباء والماء وتقلق منامه ومعيشته.

تجاربنا مع الدولة للأسف لاتبشر بخير في التحكم الفعال والنزيه في هذه الأمور، لذا فإننا نرى ضرورة الارتفاع فوق المنظور الحزبي والاستعانة على مستوى كل مديرية بلجان شعبية من الخيرين أبناء هذا الشعب الطيب وما أكثرهم، طبعا يسبق كل ذلك افتراض ربما يراه البعض من المستحيلات هو حسن النوايا لمن بيده القرار.

ونأتي الآن لدور المجتمع.. أولا على أرباب الأسر أن يعملوا جاهدين لترشيد الإنفاق قدر الإمكان، وترشيد استهلاك الماء والكهرباء وترشيد الاستهلاك للمواد الغذائية.. أي خلق ثقافة استهلاكية رشيدة كما كانت سائدة عند أجدادنا، وكل ذلك مما يدعو إليه ديننا الحنيف، وعلى خطباء الجوامع أن يلعبوا دورا كبيرا في هذا الشأن.

وضمن دور المجتمع أصحاب الشركات والمصانع، وبالذات كمرحلة أولى في القطاع الخاص، وهو أن تقوم كل مؤسسة بعمل استبيان حول الحالة المعيشية للعاملين فيها، تشمل عدد أفراد الأسرة ومن ثم رسم مخطط عقلاني لما سيحتاجه كل عامل وموظف وأسرهم بعدها تنظم المؤسسة شراء بعض السلع الضرورية وبأسعار حتما ستكون بعيدة عن جحيم أسعار السوق، وتقدمها للعملاء بصورة منهجية وسعر التكلفة إن لم تكن مدعومة بعض الشيء وحسب المستطاع، ويمكن للغرف التجارية أن تلعب دورا بناءً وفعالا في هذا المجال.

ما ذكرناه ليس من الهين تحقيقه ولكنه ليس مستحيلا، وكما تقدم (أن توقد شمعة خير من أن تلعن الظلام). ربما أكون مخطئا ولكني أرى أن زيادة الرواتب ومقارعة حالة السوق ومطاردة التجار وما إلى ذلك لن يؤدي إلى تأثير ملحوظ على حالة الغلاء، بل إن القادم ربما أعظم، ونسأل الله السلامة!

يجب أن يكون هناك حراك اجتماعي بشكل واسع بعيدا عن المزايدات والمهاترات والمحاولات للبحث إما عن كبش فداء أو محاولات تخدير الجماهير بشعارات لا طائل منها، وتعليق المشاكل على شماعات الآخرين، فكل ذلك لايجدي ولن ينجح إلا العمل الصادق.

نسأل الله اللطف والرحمة للجميع.

عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة الحديدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى