استعراض مقتضب للسياسة الاقتصادية لحكوماتنا المتعاقبة

> المحامي توفيق محمد العمودي:

> أخيراً تأكد لنا أن بلاد واق الواق، تقع حيث نحن!! فكل إسقاطات شاعرنا المغفور له محمد محمود الزبيري في روايته، تنطبق على واقعنا في هذا الوطن الحبيب.. فكي لا نكون في محل اتهام بالتجني.. تعالوا معنا إلى استعراض مقتضب، يلخص صورة السياسات الاقتصادية التي انتهجتها حكوماتنا المتعاقبة.

فمنذ أن تحققت الوحدة اليمنية، درجت تلك الحكومات على اتخاذ قوت ومعيشة المواطن، كساحة (هوكي) تتقاذف به جيئة وذهاباً ، وبخطة لعب ثابتة لا تتغير تتوارثها حكومة بعد أخرى، حتى آخر حكومة (الحكومة الحالية)، فعندما تنصت إلى السياسة الاقتصادية التي تبنتها حكومتنا (الجحاشة) الحالية، فأنت تنصت إلى تكرار لنفس البرنامج الذي تبنته أول حكومة تشكلت بعد الوحدة ومثلها الحكومات التالية لها!!

والذي أدى إلى تدهور الحياة المعيشية للمواطن وأوصلته إلى حافَّة الفقر والبؤس.. إلا أن هذا المواطن المضحي خلال كل هذه الفترة ظل صابراً، وقسا كثيراً على نفسه حتى لا يفقد الأمل، وكان دائماً ولايزال يجد مبرراً لإخفاقات تلك الحكومات وضياع وعودها بالإصلاح وتحسين مستوى معيشته.. وذلك بحسن نية ويلزم نفسه بأن يصدق مبررات ذلك الإخفاق.. وقبل أن يتحمل الجرعة تلوى الأخرى على أمل إنجاز الإصلاح، باعتبار أن هذه السياسة ووفق القوانين الاقتصادية (سياسة الجرعة) ضرورية كمدماك أساسي لابد منه ولمرة واحدة «كوسيلة وليست بغاية» من أجل التأسيس للإصلاح الاقتصادي والنهوض به، وبناء وطن قوي يحفظ قوت وكرامة أبنائه. إلا أن كل تلك الحكومات كانت تغرر بهذا المواطن وتضحياته، فبدلاً من توجيه الوفر المالي والضخم الذي كانت تنتزعه (تلك الحكومات) من قوته (بتنفيذ جرعها) واستخدامه للنهوض باقتصاد الوطن، كانت تدعم به ميزانية إنفاقها على مصالحها الضيقة البعيدة كل البعد عن ميدان الإصلاح الاقتصادي، أي أن سياسية الجرع كانت غاية لكل تلك الحكومات تلجأ إليها كلما تعرضت تلك الميزانية للاهتزاز، وليس من أجل إصلاح اقتصاد الوطن، كما تدَّعي كلما أقدمت على فرض جرعة جديدة.. وفي كل مرة كانت تلك الحكومات تأتي للمواطن بمبررات واهية لفشلها في تنفيذ وعودها، وأهم تلك المبررات المضحكة والمتكررة هي أن فشلها وإخفاقها بسبب الفاسدين المخفيين الذين لم تستطع كل تلك الحكومات الوصول إليهم، وكانت في كل مرة تطلب من المواطنين تقديم المساعدة لكشفهم!!

أي أن كل تلك الحكومات لم تكن بسفور حكومتنا الجحاشة، التي قطعت بصيص الأمل الذي كان المواطن متعلقاً به، وأكدت أن تدهور الأوضاع المعيشية وتزايد المعاناة والفقر في هذا الوطن هو الثابت.. وأن لا أمل فيها.. كسابقاتها، وهذا ما تأكد على لسان رئيسها من على منبر الشعب وبكل جراءة ووضوح دون أدنى اعتبار لشعور الضحية (المواطن) انبرى يطالب بالجرعة المستحقة لحكومته أسوة بزميلاتها السابقة.. متخذاً نفس العذر من أن الدعم لا يستفيد منه المواطن بل تستفيد منه ثلة من المهربين والفاسدين، مع فارق أن هذه الحكومة صرحت بمعرفتها لــهؤلاء المـهربـين وعددهـم بعكس سـابقاتها!!

وبنفس الوضوح، بدلاً من أن تتجه لمحاربة هؤلاء النفر (المهربين المعروفين لها)، وتوقيفهم وإحالتهم إلى العدالة، تصر على ارتكاب جريمة إفقار ما يقارب العشرين مليون مواطن (كسياسة قديمة جديدة)، تحت حجة مستغربة وهي تفويت الفرصة (بحسب منطقها) على هذه الثلة الفاسدة من الاستفادة من الدعم!!!.. وهذا ما وصفته العرب في حكمها المتوارثة، بالعذر الأقبح من الذنب.

وأمام هذا الوضع القائم، تحضرني بالمناسبة هنا قصة فلاح في فيلم شاهدته قديماً !!

يحكي: أنه كان هناك فلاح يملك خرفاناً كثيرة في حظيرة تقع بجانب منزله الذي يتوسط قريته التي يعيش فيها، فكان كل صباح يصحي سكان القرية على صوت ندبه لخروفه الذي أتى الذئب ليلاً وأكله من حظيرته.. واستمر هذا حاله لعدة أيام، وكل سكان القرية يعيشون مأساته ولا يحركون ساكناً، رغم أن الذئب في كل مرة كان يخترق القرية ويمر من بينهم ليصل إلى حظيرة هذا الفلاح، وكل ما يقدمونه هو إبداء تعاطفهم معه.

وذات صباح لم يكن كسابقيه، لم يسمع أهل القرية، كالعادة، صوت هذا الفلاح.. فاستغربوا الأمر، فما كان منهم إلا أن توجهوا عند الفلاح ليستجلوا الأمر.. فعندما التقوا به.. سألوه: ما الذي حدث معك، كوننا لم نسمع صوتك ككل صباح؟؟ فصعقوا لرده.. عندما عرفوا أنه أقدم على قتل باقي الخرفان التي يمتلكها، حتى يفوت على الذئب الفرصة كي لا يجد ما يسرقه منه!!

فهذه هي سياسة حكومتنا (الجحاشة) وسابقاتها!! فبدلاً من أن تقتل الذئب (الخمسة الفاسدين) تريد أن تقتل الخرفان!! وحقاً شر البلية ما يضحك!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى