دولة السلطة

> برهان أحمد إبراهيم:

> ما تشهده البلاد من حالة تراجع ومن احتشاد الأزمات عليها لدفعها إلى مرحلة الانهيار الكلي، مرده أزمة مُحكمة، يعيشها النظام الحاكم الذي أخفق في قيادة البلاد، وعجز عن مواجهة المشاكل التي كان هو مصدر خلقها وتراكمها.

فإعلانه -مثلا- عزمه سحب الدعم عن مشتقات النفط بحجة أن ذلك الدعم لايستفيد منه الشعب، وإنما المهربون والتجار..! ليس إلا صورة من صور أزمة الحزب الحاكم التي أفضت به إلى سلسلة من السياسات الفاشلة التي يحاول كعادته الروغان منها بأن يحمل الشعب وزر أزمته، والاستسلام لنتائجها المدمرة.. ليؤكد بذلك أنه كسلطة لم يستطع بعد الانعتاق من غرور السلطان، والخروج من حالة التدهور العقلي والتنظيمي التي ضاعفت من أزمته، لتصل بها إلى ذروة التعقيد والخطورة بإنتاجها أزمة أخرى تتعلق بمفهوم الدولة وبناء أسسها، وترابط هيكلها وتوزيع وظائفها وتحديد آلياتها وضبط توازنها.

من الواضح أن وقوع الحزب الحاكم في مأزق وعيه التقليدي، قد حجب عنه المفهوم الصحيح عن (الدولة)، بأن قدم له مفهوما آخر (مهلهلا) لايعير اهتماما لقواعد وأسس الدولة.. مفهوم حاضن للسيطرة المطلقة بكامل صورتها وتمام معناها، لاتكون فيه الدولة سوى أداة لاستقواء وهيمنة السلطة.. ودون شك، أن تبني السطلة لهذا المفهوم الارتدادي عن الدولة جعلها عائقا منيعا أمام تقدم وتطور الدولة، مما حرم المجتمع فرص التنمية والنهوض.. والأخطر أنه كان سبب الفرق في الأزمة العامة، التي تغمر البلاد نتيجة وقوع السلطة (الحزب الحاكم) في أزمة وعي وأزمة ممارسة، وحتى تضمن السلطة مزيدا من السيطرة والنفوذ الذي لايمكن لها تحقيقه في ظل وجود (دولة) ذات مؤسسات تضع القواعد وتحدد المعايير والوسائل اللازمة، لضبط ممارسة السلطة وكبح جموحها. كان على السلطة إخضاع الدولة لعملية (إفراغ وإحلال)، فسعت أولا إلى مواجهة أي مشروع يهدف إلى بناء (سلطة الدولة) عبر حشدها المجتمع لمحاربته (بوصمه بالكفر) أو (بالطعن في وطنيته) إضافة إلى تبنيها (إستراتيجية) إضعاف شروط ضبط السلطة، وتمييع المؤسسات الإجرائية، لإجهاض أية بادرة تحقق بناء دولة مؤسسية إجرائية، يحكمها قانون عام.. لتبدأ السلطة بعد ذلك إحلال (دولة السلطة) بأن باركت ودعمت فئة معينة بتسخيرها إمكانيات الدولة لفرض وسيطرة تلك الفئة على مواقع التأثير في مراكز ومفاصل الدولة، ثم شرعت السلطة في التنازل عن وظائفها لصالح تلك الفئة التي تمارس عمليا التحكم في كل شيء حتى في الدولة ذاتها، مما جعل المجتمع بين (نار السلطة) و(رمضاء الدولة)، ولتتكالب على البلاد أسباب السقوط المروع في الفوضى الناجمة عن تلك الأزمة..!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى