الوحدة.. قيمة أم شعار!

> محمد عبدالله الموس:

> حين كانت وثيقة العهد والاتفاق، التي وقعت في مطلع عام 1994م في الأردن، حاضرة في خطاب طرفي الصراع قبيل الحرب قال الأستاذ عبدالرحمن علي الجفري، رئيس حزب (رأي) بأن هذه الوثيقة أصبحت مثل قميص عثمان، أي أنها ترفع كشعار لصراع هدفه شيء آخر، ويبدو أننا اليوم نعيش حالة شبيهة وإن كنا لا نتوقع حرباً، فقد أصبحت الوحدة ذاتها مثل قميص عثمان، وقد قرأت تشبيهاً موفقاً للأخ محمود ياسين لحالة التمترس خلف شعار الوحدة من منطلقات مصالح محدودة، فقد شبه هؤلاء بالورثة الذين يتصارعون على أوقاف مسجد لا يصلي فيه أحد.

الوحدة كقيمة هي الوسيلة التي يتحقق من خلالها العيش الأفضل والمواطنة الكريمة والمستوى المتميز عن حالة التشطير، وبجملة أخرى، قيمة الوحدة تكمن في أفضليتها الكاملة عن الحالة التي كان عليها الناس في زمن ما قبلها، وقد كان ذلك هدف الاتفاق على مبدأ (الأخذ بالأفضل) من دولتي ما قبل الوحدة وهو ما لم يتحقق حتى يوم.

هناك من يتخذ من الوحدة شعاراً للتكسب والفيد والسطو على الحقوق العامة والخاصة تصل إلى حد التمييز في المواطنة ليس أقلها الإقرار بإحالة الآلاف إلى التقاعد القسري ثم إعادتهم عند بداية الحراك الجنوبي، وأكثر الأمور غرابة هو الإصرار على استمرار الإقعاد القسري، حيث تمت إحالة ألف وأربعمائة شخص من المدنيين إلى التقاعد القسري اعتباراً من 1/3/2008م، سبقه التوقف غير المعلن عن معالجة ما أصاب المتقاعدين والمقاعدين من ضرر الأمر الذي يدل على أن هناك من يعتبر التعسف نحو أبناء الجنوب نهجاً يجب أن لا يتوقف.

لم تأتِ الوحدة بالأفضل، هذا أمر لا يستطيع أحد إنكاره، والسبب يكمن في الآلية التي تدير الشأن العام ثم تتمترس خلف شعار الدفاع عن الوحدة هروباً من العجز عن معالجة نتائج الأداء البائس الذي أحالنا إلى ما نحن فيه من اختلالات لا حصر لها يستحيل القفز عليها أو معالجتها بالترقيع والترضيات.

الحراك الجنوبي (نتيجة) لسلسلة طويلة من الانتهاكات والأخطاء التي أحالت أبناء هذا الجزء من الوطن إلى متسولين لحقوقهم وعاجزين عن حماية ما بقي من هذه الحقوق، وقد يتحول شعار الدفاع عن الوحدة إلى (وكر) يحتمي فيه كل من يجد مصلحته مرهونة ببقاء الوضع على ما هو عليه بغض النظر عن كارثية هذا الوضع على الوطن وأهله.

الحراك الذي تشهده محافظات الجنوب يرفع شعار القضية الجنوبية، وإذا كانت هناك طروحات تجاوزت هذا السقف فهي نتاج طبيعي لحالة التجاهل البليد، وأن تدق طبول الحرب في مواجهة حراك شعبي سلمي فإن الأمر يخرج عن المألوف فالأنظمة في الأساس هي مفوضة من الشعوب لإدارة شئونها وفق عقد يقوم على التفويض مقابل تحقيق أهداف وبرامج معلنة، والتلويح باستخدام القوة فيه خروج عن نصوص العقد، ولم نسمع يوماً أن شعباً قد خسر معركة سلمية.

نخشى أن التمترس خلف شعار الوحدة هو هروب من استحقاقات أكثر من محلية، وهو ما يحول الوحدة من مشروع يسهم فيه الجميع إلى مجرد شعار مثل كثير من شعاراتنا فارغة المحتوى، أما إصرار البعض على اتهام الحراك الجنوبي بالانفصالية دون سماع المعاناة فهو إصرار على الذهاب بالبلاد ومعاناة الناس إلى المجهول وتلكم هي الكارثة بعينها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى