أفق المجهول

> عبدالقوي الأشول:

> يجزم البعض أن جذوة الحراك الجنوبي آخذة في الأفول، وأن ما كان على السطح ما هو إلا سحابة صيف عابرة ما لبثت أن تلاشت في سديم العدمية واللاجدوى.. فالطرف الجنوبي- بحسب هؤلاء- ضئيل العدد لا يستدعي الأخذ بحساباته، الأمر الذي أبقى على كافة المشكلات والمطالب الحقوقية كما هي دون أن تقدم تجاهها الحلول المنطقية، ثم إن المراهنة الأخرى تجري في جانب اختراق هذا الحراك وتفتيته من الداخل حتى يفقد فاعليته وتأثيره.

مثل هذا الاختزال المتفائل للأمر قد يبدو ممكناً من وجهة الطرف الآخر، إلا أن جذوة الحراك الجنوبي وإن مرت في بعض ظروفها الزمنية بقدر من الأفول.. فذلك لا يعني بأي حال أن المسألة قد انتهت لصالح الطرف الآخر.. مادام هناك تداعيات على أكثر من صعيد، وسلوكيات مستفزة، واستحواذ كامل على كل شيء، وهذه الأعداد الهائلة ممن أرغموا على البقاء بعيداً عن مسرح الحياة والعيش الكريم تئن تحت وطأة المعاناة والبؤس والشعور بالظلم والجحود وغياب أفق الحلول التي تجعلهم على الأقل يعيشون حياة الأمل.. ناهيك عما يتكشف يومياً من معاملات قاسية بحق أبناء المحافظات الجنوبية، خصوصاً المنتجة للثروة كما هو الأمر مع أبناء محافظة شبوة النفطية وكذا محافظة حضرموت، مثل هذه المحافظات التي تجلب العمالة من خارجها حتى فيما يتعلق ببعض المهن الهامشية، يشعر سكانها بقدر هائل من الظلم والإلغاء، ولا يستجاب لمطالبهم بل يقمعون باستهتار بالغ، في حين لا يختلف حال المحافظات الأخرى التي يعاني أبناؤها البطالة والحرمان من الوظائف، ناهيك عن محذور وجود أبنائها في المؤسسات الأمنية والعسكرية.

إذن كيف تراهن السلطة على تلاشي خطر حراك الجنوب إذا هي لم تبذل جهداً مخلصاً لإزالة الأسباب المؤدية إلى ظهوره؟ وكيف يتوجس البعض من الاستعانة بالأجنبي في مثل هذه الحال تحت مسمى صيانة الثوابت الوطنية والحفاظ على الوحدة والأمن والسلام الاجتماعي؟.. يقولون مثل هذه التعابير الرائعة دون أن يكلفوا ذاتهم الإشارة إلى ما هو قائم من معاملات ومفاضلات وظلم.. مدركين أن الأطراف الجنوبية هي إما محالة للتقاعد أو غير موثوقة في كل ما يمت إلى هذا الانتماء باعتبارهم طرفاً انفصالياً ينبغي معاملته على هذا النحو، في حين يدعون بقلق بالغ إلى أهمية عودة هؤلاء الضالين إلى رشدهم، ويعنون بمن ضل تلك الجموع الكبيرة التي خرجت إلى الساحات للتعبير عن مطالبها والتي قوبلت بزخات الرصاص وسجلت ساحات وجودها سقوط أعداد من الشهداء.

وهنا يبرز السؤال.. إذا ما اعتبروا الجنوب امتداداً ضالاً عن الصواب، فهل تستقيم أمور الوطن ويسود الأمن ربوعه وتتدفق الاستثمارات للعمل في ربوعه؟.. في تقديري أن الأمر يظل مجرد أمنيات معلقة وبأفق مجهول، مادامت أسباب الشقاق الاجتماعي بذوراً تتخلق في أحشاء هذه الأرض مع غياب المنطق والصدق والشعور بالأمانة والمسؤولية في المعالجة..

وقبل أن ندعو هؤلاء- أعني الجنوبيين- للتخلص من اعتصاماتهم وتجمعاتهم المطالبة بالحقوق.. الأجدر التخلص من تلك الذاتية المفرطة التي استبدت بتفكير المتنفذين والمستفيدين من استباحة المقدرات لذاتهم أن يكفوا ويلجموا تلك الذات الاستعلائية الاستحواذية التي عاثت فساداً مدمراً وماحقاً بالوطن طيلة السنوات المنصرمة.

أما ما يربط الجميع بالوطن فليس أن ينظر الطرف ذو النفس الاستحواذي إلى السبل التي يبنغي اتباعها في صون الوطن ووحدته، دون أن يسهم فعلياً وبمسؤولية في جعل موارد الوطن ملكاً للجميع وصون حقوق الآخرين فيه..فالوطن بالمعنى الحقيقي هو المكان أو الأرض التي نولد ونعيش ونعمل تحت سمائه، ولا يكون الأمر كذلك إذا ما وجدنا أنفسنا كالأيتام على مائدة اللئام.

فكيف تريدونا القبول بأن نكون مواطنين من الدرجة العاشرة؟!.. نعم الوحدة تعنينا وتعني الجميع، ولكن هل حال الجنوبيين في ظلها أفضل وهل حافظتم على مبادئها؟!

في يقيني أن من يظن ذلك يوهم نفسه.. بعد أن أحيل الجميع إلى التقاعد القسري أو الإبعاد الذي يحاولون تهذيبه بمعالجات وهمية. لقد استيبح الجنوب بكل قسوة ومراره وبغض، ومع ذلك يكرس الإعلام الرسمي ورموزه المخلصة.. أن ما هو قائم ليس إلا فقاعات وخيالات مرضية ترسم في أذهانها ما يسمى المستحيل المطلق.. خصوصا وأن هذا الجنوب القليل السكان لا يمثل شيئاً مع السيل البشري لمن يعدهم الطرف الآخر أنصاره ظالماً ومظلوماً، وهي حسابات ربما تكشف مع الزمن أنها غير واقعية لأن المعاناة تتسع رقعتها بانتشار الفقر في أرجاء البلد السعيد، والأدهى والأمر غياب الحكمة في المعالجة، والقفز على الحقائق.. مع يقيننا أن الجنوب ليس بؤرة تمرد يمكن قمعها وانتهى الأمر، فالمسألة هنا تختلف تماماً.. لأنها مرتبطة بقضية وطن وأرض وثروة أعني دولة كانت قائمة بجغرافيتها وامتدادها البشري.. وحراكها يعني أن الأمور ليست كما يتخيل البعض.. فلا تدعوها تغدو عصية على الحلول!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى