هل سننجح في الحفاظ على ديمومة الحراك الجنوبي؟

> د.عيدروس نصر ناصر:

> كان كاتب هذه السطور قد كتب مقالة قصيرة في أحد أعداد صحيفة «الأيام» الغراء يدعو فيه إلى الحرص على وحدة الحركة الاحتجاجية في الجنوب من خلال واقعية الشعارات ووضوح الأهداف وتقليص دائرة الخصوم وتوسيع دائرة الأنصار.

وبعد نشر المقالة اتصل بي بعض الأصدقاء يعاتبونني على أنني مازلت متمسكا بالأحادية، واتهمني البعض الآخر بأنني أرفض التنوع والتعدد، وأخاف التباين والاختلاف، وقد أوضحت لهؤلاء الأصدقاء بأنني لست ضد التنوع والاختلاف، بل إنني من أشد انصارهما حتى داخل الإطار الواحد والحزب الواحد والأسرة الواحدة، بيد أن الحراك السياسي والاجتماعي الذي تشهده المحافظات الجنوبية يستدعي من الجميع الحرص على مواصلته من خلال توحيد العناوين وحشد أوسع قطاع من الأنصار والمؤيدين وتحييد أكبر عدد من الخصوم والمترددين، وحق كل واحد في الاحتفاظ بقناعاته السياسية والفكرية والتمسك بها دون فرضها على الآخرين، لا في هذه اللحظة ولا في أي لحظة أخرى.

ولن يراودني الشك قط بأن وحدة الحركة الاحتجاجية هي أقوى من القنابل الدخانية والرصاص الحي وهراوات العسكر وزنازين السجون، وكنت واثقا بأن هذه الأدوات البوليسية لن تزيد الحركة الاحتجاجية إلا صلابة وقوة، وكنت أقول لكل من يحاورني أنه ليس هناك أخطر على وحدة الحركة الاحتجاجية من تفجيرها من الداخل، ذلك أن تصرفا أحمقا صغيرا، وكلمة طائشة هنا أو هناك من أحد المحسوبين على الحركة الاحتجاجية يمكن أن تكون سببا في تدمير الحركة والقضاء عليها أكثر من كل القنابل الدخانية والرصاص المطاطي وحديد الأغلال.

للأسف الشديد لم يكن قلقي في غير محله، فقد بدأ بعض الزملاء يتباهون في الهجوم على شركاء الحركة الاحتجاجية، والتباهي في الهجوم على الأحزاب السياسية التي أعلنت نصرتها للقضية الجنوبية، وبدأ حديث الصفعات يتخلل خطاب البعض، وصار شركاء الحراك السلمي هم الخصم الرئيس، ونسي البعض مع من نخوض صراعنا، وعلى ماذا نصارع، وتلك بادرة لا يمكن فهمها إلا في عدم إتقان التعامل مع ثقافة الاختلاف والتباين، بل والتسامح والتصالح الذي هو عنوان رئيس من عناوين الحراك السلمي.

وقد سمعت بعض الزملاء وهو يفاخر بما تعرض له مهرجان المشترك في الضالع من تصرفات لايمكن اعتبارها سلوكا سياسيا متحضرا، ويصوره على أنه النصر المؤزر، وكأن المشترك هو من قضى على مقومات الدولة، وحول الجنوب إلى غنيمة بيد المتنفذين، وقتل المتظاهرين وعمم الفساد واستولى على الثروة ونهب الأراضي، وتاجر بالوظيفة العامة، وعطل فرص الاستثمار، ومن الغريب أن يتزامن ذلك مع احتفاء صحف السلطة بذلك الموقف، وهو ما يبعث أكثر من تساؤل عن سر هذا التزامن.

الغريب أن هؤلاء الزملاء يهاجمون أحزاب اللقاء المشترك في حضور إعضائها وقياداتها وجماهيرها، ولست أدري ماذا يتوقعون أن تكون ردة فعل تلك القيادات والقواعد التي تستمع إلى القدح والردح والتشكيك في مواقفها من القضايا الوطنية.

من الغريب أن يتزامن هذا السلوك مع الرفض الشعبي العارم لسياسة الإقصاء والاستبعاد وفرض القناعات، والدعوة إلى احترام التعدد والتنوع والاختلاف اتعاظا من أخطاء الماضي القريب.

الحراك الجنوبي لايحق لأحد أن يحتكره ويدعي أنه ملكه وحده، فهو ملك الجميع ولايحق لنا أن نرفض الإقصاء ونشكو من تبعاته المدمرة ونحن نمارس هذا الإقصاء، وعلى الذين يتصورون أن هناك من ينافسهم على تبني الحراك الجنوبي أن يدركوا أن أي تنافس يمكن الحديث عنه لن يكون إلا تنافسا على تقديم التضحيات وطرح الأفكار والبدائل، وصدق أحد الزملاء حين قال في مهرجان الوضيع م.أبين: «إن النظام ينتظر على أحر من الجمر خلافات الجنوبيين، ليشغلنا بها عن الأهداف الكبيرة». فهل سنحرم هذا النظام تلك اللحظة، أم أننا سنسرع في تحقيق بغية السلطة في القضاء على الحركة الاحتجاجية المدنية السلمية الحضارية في كل أرجاء الجنوب، وننشغل في تبادل الاتهامات إلى بعضنا، وتوجيه الصفعات المتبادلة فيما بيننا؟

خاتمة

تحية لصحيفة «الأيام» التي أثبتت صدقها ومهنيتها وموضوعيتها في التعامل مع مختلف القضايا الوطنية، وفي مقدمتها القضية الجنوبية.

[email protected]

عضو مجلس النواب

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى