دبي: تجربة عادية في مستشفى حكومي غير عادي

> فاروق لقمان:

> شاءت الأقدار أن تتعثر قدماي في أحد فنادق دبي الزاهرة جداً وأقول جداً لأنها تتطور بسرعة لا تجد لها مثيلاً في العالم كله تقريباً فهي صغيرة الحجم وكثيرة المال وحسنة التخطيط ومتقنة التنفيذ. لكنها تتلقى يومياً ألف زائر للعمل والإقامة بالإضافة إلى السائحين والمفاوضين والاستشاريين. ولما كانت الإصابة دامية هرع حولي الأخوة الكرام من نزلاء الفندق وموظفيه والعاملين في عيادته.

كان ذلك معهوداً إلا أن المدهش أن سيارة الإسعاف كانت عند البوابة الخلفية للفندق في اثنتي عشرة دقيقة والمسعفين حولي يرفعونني برفق ومهنية والدماء تقطر من وجهي. وبعد دقائق كنت في مستشفى البراحة الحكومي القريب من مستشفى دبي في ديرة وهي المدينة القديمة - نسبياً طبعاً. وبعد دقائق كانت طبيبة اخصائية تفحصني بعدما كان طبيب آخر قد أوقف النزيف عن طريق الأنف. وسمعتُ الدكتورة الإماراتية للعيون السيدة أسمهان تتصل بجراح في منزله تصف له الحالة. فسألها عن موعد آخر لقمة تناولتها وقرر الوصول وأمر بتحضير غرفة العمليات لإجراء جراحة الساعة الرابعة والنصف. وبعد ساعتين كنت في سريري والعين اليسرى مضمدة والممرضات هنا وهناك ومسئول التخدير يراجعني وأطباق الطعام الخفيف تصل إلي في مواعيدها. وفي الساعة السابعة من صباح اليوم التالي كان الجراح والدكتورة أسمهان في انتظاري لمعرفة نتائج العملية التي كانت مطمئنة والحمد لله. فأشاروا على بالبقاء ليلة أخرى وهو ما فعلته والدواء يصلني بالحبوب والمضادات عن طريق الوريد. وهكذا حتى سمحا لي بالعودة إلى الفندق ومراجعتهما بعد سبعة أيام. ولما اطمئنا بعد فحص دام عشرين دقيقة بواسطة أجهزة حديثة سمحا لي بالسفر.

المفاجأة بعد ذلك أن لم تكن أسلوب الخدمة المذهلة ابتداءً من سيارة الإسعاف والكشف والعملية والمعاملة، حدثت عند تقديمي بطاقة الائتمان لدفع الفاتورة حتى قبل مشاهدتها لأنني افترضت أن ذلك ما يجب القيام به.

فاعتذرت المديرة عن عدم قبول الدفع لأنني كنت قد وصلتها عن طريق الطوارئ وبالتالي فإن كل علاجي كان ضيافة من الحكومة رغم أنني لست مواطناً إماراتياً. قالوا لي إن ذلك هو النظام الساري هناك: إذا وصلت عن طريق الطوارئ فإنك لا تدفع ثمناً لأي علاج أو عملية مهما كانت ومهما كلفت. فشكرتهم وتوجهت بصحبة مسئول الفندق الذي ظل يرعاني حتى أوصلني إلى غرفتي نحو قسم الشرطة المرافق للمستشفى حيث سألني الضابط إن كنت أشكو أو أشك في أحد لما أصابني فلما تأكد من أن الإصابة كانت عارضة وأنها قضاءً وقدراً طلب مني بكل لطف أن أوقع على إخلاء مسؤولية. وهو النظام المتبع في كل مستشفيات ذلك البلد العجيب. ويمكن أن تتخيل تكاليف معالجة آلاف المواطنين والمغتربين مجاناً إما لأنهم وصلوا عن طريق الطوارئ أو لأن لديهم بطاقات تأمين طبي لا تكلفهم كثيراً بل أنها مسؤولية أصحاب الأعمال والشركات حتى يغادروا البلاد بعد عمر مديد.

ولعل من حسن الطالع أن مستشفى البراحة لمن يعرف دبي كان قريباً جداً من فندق حياة ريجنسي إذ قطعته سيارة الإسعاف في أقل من سبع دقائق لكن سرعة وصول الإسعاف إلى الفندق بطاقم مدرب على التعامل مع النزيف أو الكسور كان مدهشاً كذلك التفاف طاقم العيون في القسم المخصص لذلك وسرعة إعداد غرفة العمليات الجراحية. كل ذلك في مستشفى حكومي لا يتقاضى أجوراً على خدماته الجليلة. ولست أخصه بالشكر بعد الله سبحانه وتعالى لأنني كنت المستفيد من خدماته إذ كان بجانبي عدة مغتربين أو مقيمين من فلسطين إلى صوماليا ومن سري لانكا إلى كمبوديا. فقد بدأ العديد من جنسيات غير هندية يصلون إلى الإمارات من آسيا وأفريقيا وعلى وجه الخصوص كينيا التي تزود فنادق البلاد بالشباب الأنيق والمؤهل من الجنسين ولا يأنفون من الخدمة في أي قسم ومنهن من يقفن في الاستقبال الذي يقصده الزائر أول ما يصل.

لذلك فإن الفنادق تختار بعناية اللاتي يكن في أجمل مظاهرهن للترحيب بهم بلطف وكفاءة وأناقة في الفندق الذي أشرت إليه وفيه لا أقل من خمسين جنسية. وعلى فكرة بالرغم من مئات الفنادق في دبي فإنها بحاجة فورية إلى ستة وستين فندقاً جديداً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى