الحوار المسئول

> د.هشام محســن السقاف:

> في ندوة منتدى حوار التي كان مزمعا عقدها في عدن اليوم الخميس، وتم تأجيلها حول (الحراك الشعبي في الجنوب.. إلى أين؟).. ومحاولة المشرف العام لمنتدى حوار التنصل من العنوان، وبأنه اجتهاد من القائمين على تحرير «الأيام» وبأنه سبب لغطا وتشويشا، وكأن الحراك على مدى عام في شوارع المحافظات الجنوبية من المهرة إلى الضالع يجري في كوكب آخر. كنت أتمنى أن تتم الصياغة في الرد على الخبر المنشور عن الندوة في عدد «الأيام» ليوم 16 /3 الجاري بشفافية تلامس مضمون الهدف من هكذا ندوة لفهم الحالة الجنوبية دون وجل أو تزويق، بمعطيات الحس الوطني الناشد النظر إلى الأزمة بأسبابها ومسبباتها، والمساعدة على فهمها والتعاطي معها ابتغاء الحل العادل لها، كما كنت أتمنى على الأخ العزيز العميد علي محمد السعدي عضو المجلس الأعلى لجمعيات المتقاعدين العسكريين والأمنيين أن لايبادر بالانسحاب من الندوة مادام الأمر لايعدو كونه حوارا في ندوة، وليس تفاوضا حول المسألة الجنوبية، بحيث لايمتلك الأخ العميد السعدي التفويض بذلك («الأيام» 17 مارس 2006).

وقد نما إلى سمعي مؤخرا أن هناك اتجاها لحوار بين طرفي الحزب الحاكم والمشترك (الحزب الاشتراكي) في عدن برعاية شخصية مسئولة كبيرة، فالحاجة ماسة إلى حوار العقل بدلا من اللاعقل الذي روج له بعض مثقفي السلطة، مقابل تعميد الذات وتقديمها ملكية أكثر من الملك، بتجاوز جذور قضية يصل صوتها إلى أذن الجوزاء. وإذا كان الاختلاف في طبائع الأشياء وارد، فإنه لايجوز نكران قضية حراكها يتم على أرضية الدستور والقانون وبأنماط تعبيرية شعبية سلمية، يجمع عليها السواد الأعظم في محافظات الجنوب والشرق، وتلتقي مع مضامينها وحقها في التعبير محافظات أخرى في شمال وغرب الوطن، بينما دارت رحى المعارك الطاحنة في محافظة صعدة على مدى أربعة حروب مريرة، ذهب ضحيتها الآلاف من أبناء الوطن دون طائل، ثم لاتجد السلطة غضاضة من الاعتراف بالطرف الآخر والتفاوض معه حول ذات مسائل الاختلاف التي فجرت هذه الحروب، وفي بلد ثانٍ راعٍ لهذه المفاوضات، وكأن ما يحرم في الجنوب ظلما وتكبرا، تحلله شرائع القوة في محافظة من المحافظات الشمالية!

الأسوأ أن ينبري أحدهم رميا بالقول على عواهنه بأن هذه الاحتجاجات عدمية، وقياداتها مأزومة، ولاتمتلك رؤية واضحة ولا أفقا سياسيا لشعاراتها الفارغة، ولا امتدادا لها في الداخل أو في العمق الجماهيري.. إلخ («الأيام» 17 مارس، د.فارس السقاف، الصفحة الأخيرة)، وكأننا ندفع بالأمور في الاتجاه الذي يصم الآذان ويعمي العينين عن الحقائق القائمة، بينما لايغير هذا التعامي من الأمر شيئا، وهو مثل الذي يغطي عين الشمس بغربال!، وكان الأجدى والأنفع لوطن يقف في مفترق طرق بسبب السياسات الخاطئة أن نذهب فيه إلى أبعد مدى في الحوار، والحوار المسئول، بدلا من إغلاق الأبواب وإذكاء نيران العداء والكراهية، والتصرف وفقا لمبدأ (أنا ومن بعدي الطوفان)، ومن لم يكن معي فهو ضدي، فهل يعي ذلك العقلاء والحكماء في هذه الأمة، وهل يقلع بعض المثقفين عن الاحتطاب في ليل الأزمة، ويتركون مجالا لصوت العقل الذي لايلغي بقدر ما يعترف بالآخر الشريك الذي يوحد ولايفرق، ويجمع ولايشتت، علينا أن نتدارك أمورنا قبل فوات الآوان، متذكرين قول نصر بن سيار لقومه:

أرى بين الرماد وميض جمر

ويوشك أن يكون له ضرام

فإن النار بالعودين تذكى

وإن الحرب أولها كلام

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى