بمناسبة المولد النبوي الشريف ..(الذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم)

> علي بن عبدالله الضمبري:

> يأتي احتفالنا بالمولد النبوي الشريف- هذا العام - وسط أجواء مشحونة بمشاعر الغضب والعتب، وأحاسيس السخط والرفض والغيظ والحنق بسبب (الرسوم المسيئة) إلى الحضرة المحمدية والمقام النبوي السامي!! وهذه الإساءة - بل الإساءات- ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فإن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم تعرض في حياته لما هو أبشع وأشنع وأفظع، فصبر وصمد، ودعا وسعى واحتسب وقال:«قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر».

ألم يحك القرآن عن المشركين قولهم (إنما يعلمه بشر) النحل 103 و(قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً) الفرقان5.. ألم يقم المنافقون والذين في قلوبهم مرض بقذف زوجه الصديقة بنت الصديق وتعرضوا لعرضه الطاهر الشريف؟! ألم يقولوا له «أنك أبتر»؟! وفي كل مرة يقول له القرآن(لا يحزنك قولهم) يس76.(لا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون)النحل 127 بل ينهاه عن رد الإساءة بالإساءة، فيقول له:(ولقد نعلم أنه يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين) الحجر 98-97 وطمأنه وأرضاه وكفاه وقال له:(إنا كفيناك المستهزئين) الحجر 95. هكذا، وبكل بساطة يقول له ربه: لو شتموك سبح بحمد ربك.. لو انتصرت عليهم وظفرت بهم، لا تغتر، لا تتكبر،لا تتجبر بل(سبح بحمد لربك واستغفره)النصر 3، ومع ذلك يقول القرآن لأتباعه الصادقين(لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)الأنعام 108 فلا تجاروهم في سفاهتهم وتفاهتم، ولا تكونوا مثلهم في رداءتهم وبذاءتهم.. إذن، الإساءة من جهة المعادي المبغض الشانئ الحاقد الحاسد متوقعة، بل مؤكدة.. وكم تعرض أنبياء الله جميعاً للإساءات من أعدائهم، لأن الأشجار المثمرة كلما رموها بحجر قدمت يانع الثمر، وكما قال الإمام الشافعي:

ما ضر نهر الفرات يوماً

لو خاض بعض الكلاب فيه

ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم قد بشره الله بقوله(?والله يعصمك من الناس) المائدة 67، ولذلك فنحن نتخيله شامخاً في مقامه المحمود، عند حوضه المورود، ومعه لواؤه المعقود، يرد قول الشاعر:

أرادوا مكاني وقد فتّهم

فما أدركوا غير لمح البصر

وقد نبحوني وما هجتهم

كما نبح الكلب ضوء القمر

نحن أيضاً أسأنا

نتذكر حديثاً يذكر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه في يوم القيامة يقول:يارب أصحابي أصحابي، فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فيقول النبي الأعظم: سحقاً.. سحقاً.. أو بعداً ..بعداً.. وهذا يعني أن هناك (أحداثاً) أي: تغييراً، وتبديلاً، وتعطيلاً، وإساءات سببت ذلك (السحق) و(البعد) و(الطرد) ولعل أهم هذه الإساءات تتجلى في المشاهد الآتية:

أولاً:الإساءة في الحكم: فالحكم في بلاد المسلمين يسيء إلى بني الإسلام لأنه (جبري) (عضوض) كما وصفه النبي الأعظم نفسه إذ قال:«الخلافة بعدي ثلاثون عاماً ثم تكون ملكاً جبرياً» وقال:«لتُنْقضَنَّ عرى الإسلام عروة عروة، كلما نقضت عروة تمسك الناس بالتي تليها، أولهن نقضاً الحكم، وآخرهن نقضاً الصلاة ورب مصلٍّ لا أمانة له»!! إنها حالة تدل على شيوع حكم الجبر والقهر والقسر والاستبداد والاستعباد والاستبعاد والإقصاء والإلغاء والتهميش و«بيع الحكم» كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. ولذلك تجد أنظمة الحكم (الجبري) تمارس بلذة قاتلة قاتمة سياسات القمع والتجويع لشعوبها، والكبت والتعذيب والإرهاب على مواطنيها، فتقسمهم إلى جماعات وفرق وشيع وأحزاب تتنابذ بالعداوة، وتتنابز بالأحقاد والضغائن، وتتصارع بالسلاح، كما هو حاصل في قمة الهرم السياسي، وكما هو ظاهر في المساجد.

والأنكى والأنكر أن يتمالأ أهل (الحكم الجبري) على موالاة أعداء الإسلام خوفاً منهم، أو طمعاً في فتات معوناتهم، أو احتماء بهم ضد شعوبهم ?{?فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم، يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة?}? المائدة 52، فهم يخشون أن تدور (الدائرة) عليهم، فيستقوون بالكافر، ويحتمون بحماه.. بل قد يجلبون قواعده لترابط على بلاد المسلمين، كما حصل في احتلال العراق وأفغانستان والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحذرهم وهو على فراش موته:«أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، ألا لا يجتمع في الجزيرة دينان» وهل هناك أكثر إيذاء وأخطر إساءة لنبي الإسلام من هذا المشهد المخزي؟!

ثانياً: الإساءة في الاقتصاد: اقتصاد المسلمين تابع خاضع قابع تحت سيطرة البنوك الربوية الدولية ومنظمات التجارة التي يدير اليهود أكثرها وأشهرها. المسلمون يستوردون غذاءهم ودواءهم وكساءهم من الآخرين!! ونبيهم المعلم يحثهم على العمل في كل مجالات الحياة المتاحة المباحة للرزق الحلال، ولكن أنظمتهم الجائرة تكبلهم بالديون، وتذلهم باستجداء المساعدات بمنهجية (جوّع شعبك يتبعك)!!

إن أكبر وأخطر إساءة يوجهها (المتنفذون) لنبيهم العظيم - في مجال الاقتصاد - هي: فقدان العدل الاجتماعي والاقتصادي إذ أصبح المال (دولة بين الأغنياء) الذين (يأكلون أموال الناس بالباطل) و(يكنزون الذهب والفضة) و(يبخلون بما آتاهم الله من فضله).. والعدل الإلهي الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأتباعه يقتضى أن ينصب ميزان القرآن والسنة بالقسط، فيُعطى الفقير والمسكين، وتُكرم الأرملة والعجوز والمعوق، ويلقي اليتيم والمحتاج حقه من مال الله، فتوزع الزكاة والنفط والركاز بعدالة صارمة يحرسها ضمير القاضي النزيه والحاكم التقي حينما يكونان أخوين للمسكين والمظلوم والمقهور لا حليفين للمستكبر والمستبد والمتنفذ والمرتشي والسارق والمختلس!!

ثالثاً: الأذى الاجتماعى: أسوأ ما يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسيء إليه أن يعود (الثأر الجاهلي) بين القبائل التي ترسم رسوماً سيئة، إذ تجعلنا نتخيل النبي المعلم الأعظم في هيئة خطيب ناصح شفوق يقول لهم:(ألا ترجعوا بعدي كفاراُ يضرب بعضكم رقاب بعض)(لا يزال المرء في فسحة من دينه مالم يصب دماً حراماً)(لزوال الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم المسلم)(لو أن أهل السماوات والأرض تمالأوا على قتل امرئ مسلم لكبهم الله جميعاً نار جهنم) ?{?ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)النساء 93 (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) ونتخيل قبائل (الثأر الجاهلي) من مصاصي الدماء وآكلي لحوم البشر، وهم يسخرون من رسول الله وتوجيهاته بالحال والموقف لا بالمقال والكلام، وقد جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم، وأصروا على الثأر واستكبروا استكبارا!! أليست هذه (الرسومات القبلية) تؤذي رسول الله وتسيء إليه؟!

ناهيك عن (عقوق الوالدين) الذي استشرى في مجتمع المسلمين الذين يتخلص بعضهم من آبائهم وأمهاتهم بإلقائهم في الملاجئ ودور العجزة وكأنهم يتخلصون من حثالة تافهة أو زبالة مقززة، ونسي هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها عقوق الوالدين.

ولن ننسى ما انتشر في مجتمعاتنا من أخلاقيات مرذولة: الغيبة والنميمة، وقطيعة الرحم، وإيذاء الجيران، وإهمال الأطفال، وظلم المرأة، وتدهور التعليم، وفساد القضاء، وتزوير الانتخابات، وصراعات المساجد، وتهارش العلماء ونزاعات المصلين على قضايا خلافية هامشية، والإيمان بالسحر والشعوذة والتنجيم والأبراج حتى صار لكل ذلك قنوات فضائية، فضلاً عن شيوع العري والعهر والسفور والفجور والخمور والغناء الهابط الذي يثير الغرائز والشهوات وصارت لذلك سلسلة محطات وإذاعات وصحف ومجلات، يصرف عليها من أقوات الشعوب المسحوقة المشنوقة.

هذا فضلاً عن آباء يهملون أبناءهم، ولا يسألونهم عن واجباتهم الدينية، ولا مستوياتهم الدراسية، لأن الأب (يخزن لحاله ويهمل عياله)!! بالإضافة إلى شباب متخرج في الكليات والمعاهد ألجأته ظروف الغلاء والبطالة والجهل والإهمال إلى التسكع في الشوارع و(مطافحة) الفتيات، وشيوع حالة اليأس والإحباط والتشاؤم والعدمية، فيغرقون في مستنقع (الشمة والنشوق) وصولاً إلى (القات والتدخين) ثم (التمبل والزردة) وانتهاء بالمخدرات والمسكرات والجريمة أو التطرف التي استشرت كلها بشكل فظيع مريع مرعب.

أليس في ما قدمنا من (صور) بشعة منفردة مرعبة (رسوم) مسيئة، تدل على أحوال وبيئة، ومشاهد رديئة، ومواقف تؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتسيء إليه؟!!..

أين التناصح والتناصر؟!

لقد بايع الصحابي الجليل جرير بن عبدالله البجلي رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم على «النصح لكل مسلم» وهذه قيمة تربوية سلوكية ومنهجية أخلاقية تعمل على إصلاح ما فسد، وتصحيح ما أخطأ وتعجيل ما أبطأ، ومداواة ما اعتل، وتقويم ما اختل.. فأين هذه القيمة المحمدية من سلوكياتنا الدميمة وتصرفاتنا الذميمة؟! بعد أن راجت بيننا أساليب الهجاء المقذع، والسب البذيء، والنقد الجارح الفاضح، والتجريح الحاقد الشائن والتكفير الديني، والتخوين السياسي.

أين قيمة (التناصر) و«المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره»؟! ونحن قد خذل فينا الأغنياء إخوانهم الفقراء، وخذل الآباء المهملون أبناءهم متجاهلين قول نبيهم الكريم «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول» وخذلت (الأنظمة الجبرية) شعوبها بالغلاء والفساد والرشوة والمحسوبية، وغياب العدل، وتزييف الوعي، وإشاعة النعرات القبلية والمذهبية والمناطقية.

بل الخذلان الأعظم أننا خذلنا شعوباً كاملة في (العراق، وفلسطين، والصومال، وأفغانستان، والبوسنة والهرسك. والشيشان، والفلبين) وأسلمناها للمستكبرين والظلمة، وخذلناها بصمتنا، ولم يصدر (علماؤنا) فتاوى بمناصرة المسلمين ومؤازرتهم لأنهم مشغولون بتبرير مظالم (ولي الأمر).

ماذا سنقول لرسول الله غداً ؟!

ألا ما أقسى المواجهة حينما سيقول لنا سحقاً بعداً بعداً.. لعله سيقول لنا: لقد علمتكم أن امرأة دخلت النار بسبب هرة حبستها، وأنتم سكتم وتخاذلتم عن حبس وحصار شعوب إسلامية كاملة.. لقد علمتكم أن من اشترك في قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جاء مكتوباً بين عينيه: آيس من رحمة الله، وأنتم ساكتون صامتون عن قتل الأطفال الأبرياء الرضع، وتمزيق أوصال الشيوخ الركع وهتك حجاب المسلمات العفيفات وهن يستصرخنكم: واعروبتاه، وإسلاماه..

ماذا سنقول لربنا غداً؟!

المعذرة إليك ياسيدي يارسول الله، لقد أسأنا نحن إليك، وأبطأنا في نصرتك، وأخطأنا في التعامل مع سنتك.. ومع ذلك لجأنا إلى ساحتك الخضراء الفيحاء لنصلي ونسلم عليك، ونقفو أثرك، وننصرك بأقوالنا وأحوالنا وأعمالنا مدى أعمارنا.. السلام عليك ياسيدي يارسول الله يوم مولدك، ويوم تبعث حياً.

مدرس بكلية التربية - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى