لقد هزمنا أنفسنا!

> د.سمير عبدالرحمن الشميري:

> تقديم الأحاسيس والمشاعر على العقل، واللجوء إلى الصراخ والنواح بطرق بدائية، والترنم برومانتيكية الشعارات، والتغني بالبطولات الوهمية في تاريخ حافل بالفشل والعقد والرواسب، كل ذلك يؤدي إلى تشويش الوعي الجمعي، وإلى انحرافات عن جادة الصواب.

فغيبوبة العقل، والسير بخطى مترنحة، والتشبث بالأفكار الكسيحة التي ترفض العلم والمنطق والحوار والحقيقة والوعي الناقد والمتبصر، تقود إلى مجاهل الحيرة، ولربما إلى شفير الهاوية، «فالملاَّح الذي يفقد البوصلة، لايعود قادرا على تحديد اتجاه السير»، على حد تعبير الأستاذ أنيس حسن يحيى، فلابد أن نتدرب على الخضوع لسلطان العقل والمنطق، وتجنب الضجيج والمشاتمة والتجريح مع من نعيش معهم تحت سماء واحدة.

فثمة أناس يعيشون تحت صومعة المخاوف المرضية، ويغلقون أبواب السجال الرصين والتسامح والمثاقفة والتعقل، ويفتقدون للتوازن العقلي والانفعالي والنفسي والأخلاقي، ويسعون بكل ما أوتوا من قوة إلى تلويث الفضاء العام برغائهم وضحالتهم الفكرية واللغوية، ويحولون حياتنا إلى حلبة للمقاتلة والاحتراب.

لابد أن نكون صادقين في حواراتنا ومسالكنا، وأن ننظر بعين ثاقبة أبعد من أرنبة الأنف، فالبسطاء يحلمون بالأمن الجسدي والروحي، يحلمون بالأمن الغذائي والحياتي وبالسكينة النفسية، والتنمية الحقيقية، ولايكترثون بمعزوفات العدل والإنصاف التي تذر الرماد في العيون، وفي الضفة الأخرى، هناك صنف من المتزلفين، الذين يأكلون من كف معاوية، ويلبسون أسمال الفقراء، ويقلدون المتصوفين في زهدهم وتقشفهم، ويمثلون أدوار كهنة المعابد، وغير مهيأين للمفاصلة ومواجهة الحق، يندفعون بقوة إلى أرض مجهولة، مستسلمون لهوى النفس. ومن الحق أن نسجل، أن الجميع يحتاجون إلى مراجعة الذات، وسماع صوت الحق والاحتكام للعقل وتجنب المغالطات التي تستقيم على سلسلة من الأخطاء المنطقية، والحيل والمراوغات اللفظية، والتحذلق الانفعالي والعاطفي.

لقد نطحتنا الأحداث والمآسي، ورأينا أمام أعيننا المصائب والهزات العنيفة التي زلزلت كياننا، وتركت بصمات كابوسية مقلقة في حياتنا، لأننا ابتعدنا عن جوهر عقيدتنا السمحاء التي تنادي بالمحبة والإخاء والمساواة، وقمنا بمنابذة أهل العقل، وطوقنا الحقيقة بحبال الموت.

فلاتفيد الخطب المنبرية ولا النفاق السياسي والاجتماعي، ولا النظرة الإقصائية التي تسجن العلم وتهين العقل، تتغنى بشمس الحرية والتسامح والرأي والرأي الآخر، واحترام المعتقدات وحرية القول والحريات العامة، وتسير في مسرب آخر يعيق نماء العلم والحرية والعقل.

فهناك من يقف إلى جانب الحرية التي لاتحطم القضبان الحديدية، ويناصر الحداثة بخطاباتها وشعاراتها التي لاتنمو في تربتها سنبلة العطاء، ويتغنى بالشفافية التي لاتمس نرجسيته ونزواته الغرائزية، ويتحمس للتسامح الذي لاينزع فتيل الحقد من الفؤاد، ويقف في صف المكاشفة التي لاتعري النقائص والعثرات، ويؤيد الشخصية اللامعة التي تظل مربوطة بقميصه، ومع القانون الذي يقوي قلاعه الاستبدادية.

يقول الأستاذ حسن عجمي:

«نحن خارج الحضارة والتاريخ، لأننا نرفض العلم والمنطق، وإذا استمررنا في رفضهما سوف نظل عبيدا لأسيادهما، أما الآن فنحن إرهابيون صغار، لأننا نرفض بعضنا بعضا، فلانجد شاعرا أو مفكرا يقبل بشاعرية أو بفكرة لآخر.. لم يهزمنا أحد، بل نحن هزمنا أنفسنا عندما رفضنا العلم والمنطق والفلسفة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى