عن عدن.. المستقبل والماضي

> د.هشام محســن السقاف:

> كان الأخ أحمد الكحلاني محافظ عدن محقا عندما قال: «إن الأراضي في عدن قد صرفت، ولم يتبق من عدن سوى بحرها والجبل». وحتى هذان قد دارت عليهما نوائب سياسة النهب المنظم دون مراعاة للعوامل البيئية والجيوسكانية، فالضرر الذي يلحق بمستقبل المدينة وأبنائها مسنود إلى لاسياسة إدارية تراعي الحاجات الاقتصادية والاجتماعية، وقد حلت مكانها سياسة الفيد والتفيد منذ الحرب المشئومة في 1994 لأمراء الحرب ودوائر النفوذ والقوة بشقيها العسكري والقبلي، ولذلك تعددت مصادر التمليك وتنوعت، والنتيجة هي ما أوردها الأخ المحافظ، بينما المشاريع الكبرى التي وعدت بها عدن في السنوات الاثنتي عشرة المنصرمة هي واجهات أخرى لصرف الأراضي- ولا أريد أن أقول لنهبها- كالمنطقة الحرة مثلا.

كان الأجدى أن يفند الأخ المحافظ حقيقة خلو عدن من أراض تشكل عمقها الجغرافي لتنفيذ المشاريع الاقتصادية والاستثمارية المختلفة، وحقيقة أن أبناء هذه المحافظة قلّ أن يجد الواحد منهم بقعة 12× 12م2 لحاجات السكن ليس إلا، بينما بنى آخرون من صنف (أصحاب العيون الحمراء) القصور الفاخرة في مناطقهم جراء المتاجرة والبيع والسمسرة بالأراضي في عدن، وكأن أبناء عدن أيتام على موائد اللئام.. بل هم كذلك فعلا!.

ليت أن الأخ المحافظ- وهو الموصوف بالشجاعة والصراحة- يسمي لنا المحظوظين بدعوة الوالدين وصلاة الفجر ممن آلت إليهم أراضي عدن، لكي نتمعن في الأسماء فقط، ونتحسر على الحظ العاثر الذي آلت إليه هذه المدينة التي قدمت للجميع وساعدت الجميع واحتضنت كل صاحب حاجة قدم إليها، وتعدن وتطبع بطباع أهلها الحضاريين، وأصبح رقما من الأرقام الهامة في التجارة والإدارة والثقافة... إلخ والأمثلة كثيرة.

إن رجل إدارة وسياسة في صنف التكنوقراط، وأعني د.صالح علي باصرة، يعي أهمية التشخيص الصحيح للحالة العامة في المناطق الجنوبية، فلم يراع حين أنيطت به المهمة الرئاسية لتقصي الأوضاع في الجنوب سوى المصلحة العليا للوطن، فأشار في تقريره التاريخي إلى أوجه الخلل الآتي من انعدام الدولة- وهي منظومة قوانين- لصالح مجموعة أو مجموعات (لوبية) تعيش على حساب الوطن ككل، مستفيدة من الفوضى العامة وهامشية الدولة، وقد سمى الدكتور باصرة الأشياء بمسمياتها، وهو ما كان ينبغي أن تأتي تصريحات الأستاذ أحمد الكحلاني على منواله عند إشارته إلى أراضي عدن المنهوبة أو المصروفة- لاضير- فالنتيجة واحدة، طالما تمت الأمور من خلف ظهور المعنيين القانونيين بهذه الأراضي، وأعني أبناء المحافظة، وحتى لو كانت هذه الأراضي بيضاء أو أراضي تعود للدولة، فلهم الأولوية فيها قبل سواهم، سواء على المستوى الشخصي أم الاستثمار.

وإذا كان مستقبل هذه المدينة قد أصيب في صميم تطلعاته لانعدام المشاريع الاستثمارية الحقيقية والواعدة، بعد أن صرفت الأراضي (وفي حالات كثيرة) لأكثر من مرة لتضارب وتعدد جهات الصرف، فإن ماضي المدينة معرض هو الآخر لخطر السطو والتغيير المتعمد بعد أن طال العبث غير معلم وأثر تاريخي مثل قلعة صيرة ومدرسة جبل حديد التاريخية وساعة التواهي ومسجد أبان، ناهيك عن الهضبة والدروب السبعة والاستحكامات التاريخية وملاحات عدن.. إلخ.

فمن المسئول عن سلب هذه المدينة تاريخيتها المتميزة كأقدم المدن اليمنية على الإطلاق، ووضع مستقبلها في خانة الضياع أيضا؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى