وتلك الأيــام .. دراسات عليا أم تقاسم للغنائم

> د.سمير عبدالرحمن شميري:

> في حياتنا ألوان طيفية من الفهلوة والرياء والبلطجة، عندما تنتقل هذه العلل إلى مؤسسات العلم تحدث دمارا لمستقبل الأمة، وتحطم أحلام الأجيال الصاعدة، وتفسد الرأسمال البشري الذي يحتاج إلى بيئة علمية نظيفة.

«نحن في حاجة إلى المعرفة، وفي حاجة إلى الإرادة، وفي حاجة إلى الحرية، وفي حاجة إلى الوقت، والوقت يهرب كيف نستطيع أن نلحق به؟ كيف نفكر في هذا كله، دون أن نصاب بالدوار؟!» (أحمد عبدالمعطي حجازي).

أي دراسات عليا نتحدث عنها عندما تكون الفهلوة قانونها، وتقاسم الغنائم غايتها، فاللصوص أصدقاء يختلفون في لحظة اقتسام الغنائم.

أي دراسات عليا نتحدث عنها عندما يشرف على طلبة الدراسات العليا بعض المغرورين بعقول مثخنة بالأعطاب، يلهثون خلف الأضواء والصيت الكاذب، ولم يوطنوا أنفسهم على التواضع وحسن الذوق، ولم يكونوا في يوم من الأيام أصدقاء أوفياء للكتب والمكتبات والمراكز البحثية والمختبرات والمجلات العلمية، ويعانون من يبوسة في المخ وعسر في هضم المعلومات.

في الجامعات العريقة والأقسام العلمية المحترمة تسود العقلية الأكاديمية، وتتوارى العقلية التآمرية، ويعتني أهل العلم عناية فائقة بطلابهم، ويشرفون بنزاهة على إبداعاتهم العلمية ونهضتهم العقلية، ويسيرون معهم خطوة خطوة، وبوصة بوصة، حتى لايقعون في الزلل، بروح نبيلة، خالية من منهج التسلط المعرفي والتبجح الأكاديمي الأجوف.

إننا نخجل كثيرا ممن لايحافظون على الأمانة الأكاديمية، والذين تهفو نفوسهم للمال فقط، فيجمعون أكبر قدر ممكن من الطلاب للإشراف عليهم، ليس بهدف نشر قيم العلم والمعرفة والاستنارة، وإنما لزيادة أرصدتهم المالية بطرق غير مأنوسة، وهم بذلك يوجهون طعنة نجلاء لهذه الدراسات، ويظلمون كثيرا طلبتهم الذين يعانون من شطف معيشي وبؤس علمي ومعرفي.

فعلاقة طالب الدراسات العليا بأساتذته كما يقول أحد الباحثين: «علاقة يشوبها الخوف من قبل الطالب، لأن مصيره في يد أستاذه، والأستاذ في نفس الوقت لديه الكثير من الطلاب، وبالتالي ليس لديه الوقت الكافي لتوجيه طلابه في بحوثهم التوجيه الأمثل، كما أن الطالب يخشى أن يناقش أستاذه بصراحة أو يعارضه، لأنه يريد الدرجة العلمية في المقام الأول».

إذا كانت الجامعة عقل المجتمع، فلماذا نشجع بطريقة خرساء كتم الأنفاس ومصادرة الحقوق؟ ولماذا نشجع التبلد الذهني والمناهج النقلية وأساليب الببغاوات في التدريس؟! ولماذا نقتل روح المبادرة ونحطم شكيمة الحرية الأكاديمة؟ ولماذا نحارب العقليات المستنيرة ونصفق للعقليات المريضة التي تكسر عنق المعرفة، وتنشر فيروسات الغباء؟! فمن العسير على العقل المبدع أن ينمو في بيئة متصدعة طاردة للعلم، لها بصمة قاتمة في قتل من لم يقتل من المتميزين.

إننا نسير في نفق مظلم.. نسير صوب التصحر العلمي والثقافي.. إننا نقتل بوعي الضمير المهني في قلوب المخلصين، ونخرب البيئة الوطنية والهوية العلمية والأخلاقية.. «التحدي الخطير هو أن كل شيء تقريبا في حياتنا.. نظم التعليم والعمل والتطبيع المهني وأساليب الحياة بصورة عامة، تعمل على إعادة إنتاج العقم والتخلف» (د.محمد عزت حجازي).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى