ومازال التنار ساخنا

> علي سالم اليزيدي:

> رغيف الخبز (القضوض) مثل الخطوة الأولى في طريق الفائدة من الأموال الذي سمى بعدئذ الاستثمار وجاء هذا تلقائياً منذ ظهور مدارس أبناء البادية التي أنشأها المستر انجرامس في الخمسينات من القرن الماضي إلى زمن التنانير لكبار التجار في المكلا والشحر وبروم وحنيذ السمك وتجارته الرائجة الجاذبة آنذاك مابين البحرين العربي والإفريقي وصولاً إلى إقامة أول مصنع تعليب سمك التونا لآل بن كوير في المكلا خلف عام 1963م. وسار الزمن، فقد قامت (الأكيار) وهي أفران النورة البيضاء الكبيرة وازدهرت هذه الصنعة في مدينة المكلا وبروم والشحر ومعها ازدهرت زراعة التمباك واستثماره كغلة نقدية في غيل باوزير، وهو الأمر الذي كان له شأن كبير في جعل نفوذ المستثمرين المحليين يزداد داخل وخارج حضرموت والموانئ المجاورة، وأحدث كل هذا تغييرات قوية نادراً ما يمكن فرضها بطريقة منهجية، إذ انجذبت هنا تجارة العقار وقفزت المدينة عالياً والمباني والشركات ونشطت حركة التبادل التجاري، كل هذا بدأ من لحظة استغلال التنار والخبز المدهور ومشكاك العيدة المرافق له في سوق المكلا والشرج .

هي حكاية لمن فاته الإنصات إليها لزمن الكفاح النهضوي حول نشوء الازدهار ومن ثم ظهور النقود وتداولها ما بعد زمن النزاعات والمجاعة من لحظة أن جاءت مقولة (هل من معه خمستعشر قال قد قدها تجارة؟) يوم كان السوق ناضجاً ترتع فيه العقول المطمئنة وسعيها لاستغلال بيئة الأعمال الشديدة النشاط السائدة في البلد، وهنا جاءت نسبة النمو المحلية للتجارة واستغلال المال الخاص للاستثمار المتوسط الذي أسس لفكر وقاعدة وتجربة إبداعية خبيرة لرجال المال والأعمال في حضرموت وشبوة والمهرة أو الفرتكيين القدامى، حيث لم تكن التجارة الإلكترونية حاضرة بعد، كان الأمر لا يتعدى (شتي) صغير وكلمة (لحق لفلان)، ولكن كان هناك عقل يزن بأطنان الذهب والعقول زينة الرجال، واتفق مع كل هذا ثقافة الوعي والسلام وفر الأمان مابين الثراء الشخصي وإصلاح الواقع والمعيشة وفتح المدارس والعلاج وتوفير الماء .

أرادأولئك الرواد الأوائل تطوير الواقع ومنافسة الجوار، لم يجتمعوا لإصدار القرارات وحجز المواقع وإقامة حفلات المجاملات، لم يرسلوا مستكشفين عبر البحار، كانوا هم البحارة الأوائل، ذهبوا إلى أقصى بقاع الأرض ونجحوا، وقلنا يومئذ (أهل جاوا بايجون وبايجيبون الدخون) وهو التفاؤل صديق الحضرمي واليمني الحقيقي حينها تدفقت النقود ومن أموال من جاوا وممباسا وهرجيسا وأسمرا وحكت صفحات الزمن قصصاً على لسان العجائز المسنات عن (سمسماني يا أختي) حتى يغلب الصغار النوم .

لم يكن أمام هؤلاء الحضارم واليمنيين وكل من دخل بحر التجارة وقت للنوم، ربما نعسوا قليلاً، لكنهم قطعاً لم يغلبهم السبات العميق، يوم سكنوا الحجاز وجدة وتوزعوا في أسواقها منذ وصول الشيخ سالم بن محفوظ وآل بقشان وآل العمودي الكرام، وبقيت حكايا أولئك العجائز حول العجائب والغرائب محط إصرار لم يسكت لحظة أو ينام، جاءت مشاريع آل الكاف وبوسبعة وباشنيني وآل عقيل والحضرمي وباجوكر وباشراحيل، فظهرت الكهرباء المساهمة ومشروع البمبات الحضرمي بسيئون وتعاونية القطن الزراعية أيام علي بن صلاح القعيطي وآل بامطرف والبكري وتوزعت الاستثمارات للكهرباء لباحبيشي في سيئون والتجار بشبام والمدارس في دوعن وتجارة التمباك والسيارات للحسيني وباحاج والإطارت لآل بن مخاشن وآل فلهوم في القماش وتجارة الجلود وحينها سقطت أسطورة أم السلاسل وزال الخوف آنذاك.

ومن ذلك التنار الذي مازال ساخناً، بدأت القصة ومن مقولة (بائع العشاء) وليس العشاء الأخير كما رسمها دافينشي، ومن صورة (الطبيين) الأولى إلى صورة المستثمر الحالية، ماهو المفقود مابين يوم امتد عشرات السنين، كان الأمن مجسداً في (كوت) فوق قارة دون هاتف محمول والمال المحمول على ظهور الجمال قاطعاً الوديان والصحاري، كان المال مطمئناً وهادئ البال ويكبر، وكان السلام والدولة يسيران جنباً إلى جنب في شارع المكلا وقصيعر وفي الجبل ووادي عمر وساحل بئر علي وداخل حجر، وكانت (سقاية) بن عقيل هي الأخرى صورة للأمان والحضارة وثقافة طرق التجارة لهؤلاء القوم.

ما الذي يرويه لنا هذا التجمع الكبير المؤتمر الاستثماري العقاري والسياحي المقام في المكلا؟ هل حقاً أقمنا حصون الأمان؟ نسأل هل تجلس الدولة معكم وتخالطكم، وهل ستسير مع قافلة المال على طول الطريق؟! نحن نسأل فقط هل أمسكنا بالزمام وتعلمنا الفارق مابين رز سيام والآخر القادم من فيتنام؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى