الجزرة والعصا والأسعار وسياسات الترقيع

> محمد عبدالله باشراحيل:

> إن غياب الرؤية وعدم وجود برنامج سياسي واقتصادي جاد وواضح للحزب الحاكم جعلته يدور في حلقة مفرغة، ليجد نفسه بين حين وآخر أنه قد تراجع أو أنه عند النقطة التي بدأها في أحسن الأحوال، بمعنى أنه لم يتقدم خطوة حقيقية واحدة إلى الأمام لا في المجال التنموي كتنفيد مشاريع حيوية مثل المنطقة الحرة بعدن، ولا على مستوى القضايا الوطنية العديدة كقضيتي الجنوب وصعدة، كما أن عدم وفاء الحزب بوعوده المتعددة وبرنامجه الانتخابي الذي لا يعدو أن يكون مجرد قائمة مشاريع لا أكثر، تفتقر معظمها إلى الدراسات والتنسيق والتكامل والآليات الواضحة، قد جعلت حتى رجل الشارع العادي يتأكد من عدم مصداقية السلطة ولم يعد يثق في أقوال وتصريحات المسؤولين المتكررة، بل أصبح يهزأ بها وكأن لسان حاله يقول: «أسمع كلامك أصدقك أشوف عمائلك استعجب»، وهو دليل يؤكد تيه وضياع السلطة وتخبط سياساتها، ولو أخذنا من هذا البرنامج على سبيل المثال لا الحصر «تخفيض الأسعار» الذي كان بمثابة الكذبة الكبرى في برنامج السلطة، فبدلاً من انخفاض الأسعار يلاحظ أنها قد ارتفعت حالياً أكثر من %100 مقارنة بعام 2005م وهو ارتفاع مخيف بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي لهذا المؤشر إذا ما قورن بزيادة الأجور، فقد حدد القانون رقم (43) لسنة 2005 الحد الأدنى لأجر الموظف 20000 ريال، ولكي يحافظ هذا الموظف حالياً على مستواه المعيشي فقط وليس من أجل تحسينه عن عام 2005، فإنه يحتاج إلى زيادة قدرها 20000ريال على الأقل لمواجهة زيادة الأسعار 100% المشار لها، ولا ندري على أي أساس قررت الحكومة زيادة شهرية مقطوعة 3000 ريال على مرتبات الموظفين و1500 ريال على معاشات المتقاعدين، والمضحك المبكي هنا ما يخص المتقاعدين وكأنهم لا يتأثرون بارتفاع الأسعار إلا بنسبة %50 عن الآخرين مع أنهم هم الأكثر حاجة والأشد عوزاً، كون متوسط المعاش الشهري في محافظة عدن مثلاً لايزال دون 18000 ريال حتى وقتنا الراهن.

والجدير بالإشارة أننا قد أشرنا في مقالات سابقة وتحدثنا مع مسؤولين كبار عن أزمة الغذاء المتوقعة عام 2008نتيجة انخفاض إنتاج القمح هذا الموسم حوالي %30 على مستوى العالم، وكذا عن استمرار ارتفاع أسعار السلع والغذائية منها بوجه خاص نتيجة استمرار ارتفاع سعر النفط الذي تجاوز 110 دولارات للبرميل حالياً، وذلك بهدف أن تقوم السلطة والمعنيون بالأمر باتخاذ الحيطة لمواجهة تلك الأزمة أو الحد منها على أقل تقدير، ولكن مع الأسف دون فائدة (مغني عند أصنج أو صقع) فهم مشغولون أساساً بقضاياهم الشخصية كالاستحواذ على أراض جديدة في الجنوب المنهوب، أما القضايا المتعلقة بمعيشة الناس فتأتي في مؤخرة برنامجهم،وما يهمنا الآن هو القادم وما يحمله من مآس إذا بقيت الأمور على حالها، فكل المؤشرات تدلل على أن الأسعار سوف تستمر في الصعود، وأن هناك جرعة جديدة قادمة ستقدم عليها السلطة بعد الزيادات الهزيلة الأخيرة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وهذا يذكرنا بسياسة «الجزرة والعصا»، فالجزرة تمثلت في الزيادة، أما العصا فتمثل الجرعة القادمة أو القاتلة، وفي هذا الصدد فنحن بدورنا نحذر السلطة من مغبة الإقدام على مثل هذا الإجراء ومدى فداحة خطورته حالياً، حيث لا ينفع الندم لاحقاً، فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الوقت الراهن لا تتحمل ذلك «اللي فيها يكفيها» وننصح السلطة بإعطاء قضايا الناس المرتبطة بمعيشتهم اليومية الأولوية في برامجها بوجه عام وبقضية الجنوب بأبعادها السياسية والحقوقية والاعتراف بها بوجه خاص، والابتعاد عن المكابرة وترحيل المشاكل وسياسات الترقيع. فالعصر ليس عصر المكابرة والقبيلة بل عصر الشفافية والدولة، ولم تعد سياسة الجزرة والعصا مفيدة أو فاعلة، ولقد بلغ السيل الزبى، والقادم لا يبشر بخير مع التعنت وتكرار الوعود الكاذبة، وما دام «عبود هو ذاك هو ماشي نقلب (تَغيَّره) في عبود»، كما قال شاعرنا الكبير حسين أبوبكر المحضار رحمه الله، والله الموفق.

[email protected]

كبير خبراء سابق بالأسكوا- الأمم المتحدة

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى