الشعور بالظلم

> محمد فارع الشيباني:

> هناك مقولة مشهورة للفيلسوف الفرنسي المشهور (ديكارت) تقول: «إن الظلم هو الشعور بالظلم». وبلغة غير فلسفية تعني أن الإنسان قد يكون مظلوما، ولكنه لايحس بذلك، ويعتقد أن ما يقع عليه هو شيء طبيعي إلى أن يعرف أن ما يقع عليه هو ظلم من شخص مثله مساوٍ له في الحقوق والواجبات، وأنه ليس له امتيازات على الآخرين، هنا يثور ويتمرد لكي يبعد عن نفسه ذلك الظلم. ففي القرون الوسطى في أوروبا كان الملوك يذلون شعوبهم ويعتبرون حكمهم وسيطرتهم (حقا إلهيا)، والسلطة هبة لهم من عند الله، فلا يحق لأحد أن يناقش ذلك، لأنه بتصرفه يعارض إرادة الله سبحانه وتعالى، وكان الأرستقراطيون والفرسان يمثلون اليد الباطشة والحامية لسلطة الملوك.. وجدت الشعوب على ذلك إلى أن عرفوا أنهم مظلومون، وأن الله لايرضى بالظلم، فثاروا، وحطم الفرنسيون سجن الباستيل الشهير رمز الظلم، ومن أغرب الأشياء التي حصلت حينها أن ملكة فرنسا عندما ثار المظلومون في شوارع باريس استغربت ذلك، وسألت، لماذا ثاروا؟ فقيل لها إنهم يطالبون بالخبز بعد أن جاعوا، وبلغة غير مسئولة ولا مبالية سألت «لماذا لايأكلون البسكويت!»، ولم تقل ....، لأن هذا التعبير هو بجدارة تعبير يستعمل كثيرا في اللغة العربية.

وفي أفريقيا كان الأفارقة يحملون على أكتافهم كرسيا كان يجلس عليه رجل أبيض جاء من قارة بعيدة، ومن فوق ذلك الكرسي كان يصطاد ببندقية يحملها الفيل والأسود في أدغال هي ملك للإنسان الأفريقي، هذا طبعا بعد أن استولى ذلك الرجل على خيرات بلادهم، ومرت سنوات طويلة على ذلك، والأفارقة لايشعرون بأن ذلك ظلم يقع عليهم، إلى أن جاء اليوم الذي شعروا فيه بالظلم، فثاروا على ذلك الوضع، وأخرجوا المستعمرين من بلادهم، وفي مشهد من التشفي السخيف جعل الرئيس الأوغندي الأسبق (عيدي أمين) مجموعة من الرجال البيض- شاء حظهم التعس أن يقعوا بين يديه- يحملون كرسيا وهو جالس عليه، ويسيرون به عبر شوارع كمبالا عاصمة أوغندا، وعلى عكسه، فإن الإنسان الجميل الرئيس (نيلسون مانديلا) الذي سجنه الرجل الأبيض 29 عاما، عندما خرج من السجن بعد هذه المدة الطويلة كان في استقباله أمام باب السجن خليط من البيض والسود، جاؤوا لتحيته، فتوجه نحو سيدة بيضاء، وحمل طفلتها الصغيرة في دلالة عميقة نبيلة على أنه لايحمل حقدا على أحد، وأن جنوب أفريقيا الجديدة تتسع لجميع أبنائها بيضا كانوا أم سودا، كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.

وعندنا هنا في الجنوب تاريخ طويل في الثورة على الظلم، وأنا هنا لا أريد ولا أستطيع أن أروي أو أكتب عن تلك الثورات لأنني لست مؤرخا، ولا أريد أن أعطي نفسي صفة لا أملكها ولا أستحقها.. وقد توجت تلك الثورات بثورة 14 أكتوبر التي لم تكن ملكا لأحد أو فرد أو مجموعة، بل كانت ثورة شعب بكل مكوناته، فجرها شعور بالظلم ورغبة في حياة أفضل، وكانت، وانتصرت، ولكن الفرحة لم تتم، وصبر الجنوب لعل وعسى، وجاءت الوحدة وظهر شعاع من الأمل، واعتقد أنه أخيرا سيبني ما كان يصبو إليه من حياة حرة وكريمة ولقمة عيش تشبعه، ولكن بحرب 1994 ضاع ذلك الأمل، فإذا بالجنوبي يعاني أكثر، وإذا لقمة العيش النزيهة تبدو كسراب بعيد المنال، وبدأ يشعر بالظلم الذي يقع عليه، كما قال الفيلسوف (ديكارت): «إن الظلم هو الشعور بالظلم»، فبدأ يثور، ويتمرد، ويقدم الشهداء، ولن يتوقف، وسيمضي في طريقه إلى أن ينتصر وينال حقوقه، وسيأكل الخبز بدلا من بسكويت الذين أتخمت بطونهم من الشبع.. اللهم احفظ عدن، آمين يارب العالمين!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى