شراكة الجنوب ورغيف الشمال أم فوضى خلاقة

> محمد علي محسن:

> الفوضى الخلاقة فكرة أمريكية رائجة في العالم تجلت بقوة في العراق ولبنان وفلسطين وأفغانستان والصومال واليمن والسودان وباكستان وغيرها من الدول الواقعة تحت تأثير الاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي، ومن أجل إعادة البناء والتأهيل لدول ونظم سياسية غارقة في التخلف والاستبداد، أو مثل هذه الموجودة في الشرق الأوسط تحديدا كان ولابد من إشاعة الفوضى على الطريقة الأمريكية، وما يحدث في الوقت الحاضر من اضطرابات وصراعات دموية أو انقسامات داخلية واستدعاء القبيلة والطائفة والمنطقة بدلا عن الأيدولوجيا والمواطنة والقانون لبرهان على مدى التأثير الذي أحدثته فينا هذه الفوضى (غير الخلاقة) بالنسبة لنا كمجتمعات متخلفة.

فكرة مجنونة ربما أطلقها صقور البيت الأبيض على حين غرة، فما حدث في العراق أو أفغانستان وحتى في لبنان وفلسطين يومي إلى أن الفوضى وقعت، ومثلما أراد صناع القرار الأمريكي، كانت الفوضى عارمة، بل وغاية في البشاعة والقبح والخلق. كل ما نشاهده من قائع على الأرض يؤكد أن الفوضى حدثت ومازالت مجتمعاتنا تحت تأثيرها حتى اللحظة دونما عملية خلق لمخاضات جديدة وفق الرؤية الأمريكية. النظم الديمقراطية المنشودة لم تولد بعد من رحم هذه الفوضى الحاصلة، وعلى العكس زادت النظم المستبدة هيمنة وبقاءً، كما أن المجتمعات التي قدر لها الخلاص من الحاكم أو الحزب أو النظام الديكتاتوري القمعي بالفوضى الأمريكية مابرحت غارقة في معركة لا نهاية لها من الاقتتال أو العنف العرقي والطائفي والقبلي والمناطقي، ولا شيء على المدى القريب يشير إلى إمكانية حدوث المعجزة في العراق أو أفغانستان أو لبنان أو غيرها من الدول الأكثر اضطرابا وتحولا وتبدلا في نظم الحكم، وكذلك هو الحال مع بقية النظم السياسية التي لم تؤثر فيها الظروف المحيطة أو تجبرها على الامتثال أو الرحيل.

ماذا نسمي ما نحن فيه الآن؟ وهل بوسع أحد منا وصف ما يجري هنا بغير الفوضى الدائرة في أكثر من أقليم وبلد؟ البعض يقول: دعوا عنكم هذه الأفكار التشاؤمية، وانظروا لما كان عليه البلد قبل الثورة وبعدها، قبل الوحدة أو في زمنها. البعض الآخر، وهم الأغلب، قليل منهم من يستشعر فداحة الأوضاع القائمة إذا ما زادت الفوضى سطوة واستحكاما بها، بينما الأكثرية غير مكترثة بما تقوم به من فعل فوضوي مدمر بقصد أو من دون، المهم لديها هو التعبير عن ذاتها ووجودها، ولو اقتضى الأمر إشاعة الفوضى بكل ما تعني من منطق وسلوك لايستقيمان أبدا مع النظام والحياة العصرية.

تأملوا جيدا في أية جبهة ومعركة نحارب! كل ما نشاهده ونعيشه يؤكد أننا وسط معمعان من التيه واليأس والانكسار والفوضى، لا أحدثكم عن وقع القتل والخراب أو السقوط للقومية في العراق وإحلال الطائفية والإثنية، ولا آخذكم بعيدا إلى حصار غزة أو ملاحقة طالبان أو أحداث التبت وجزر القمر، أو قوارب الموت القادمة من وغى الاحتراب في الصومال، أحدثكم هنا عما يجري في هذا البلد المضطرب بمشكلات لاحصر لها، عن حالة التيه وفقدان الأمل واتساع رقعة الفقر والغلاء والفساد والمناهضة للوحدة القائمة، أحدثكم عن طوفان مخيف ومرعب بدأت نذره في الجنوب منذ لحظة اجتياحه ومصادرته وإقصائه من شراكته، ووجوده في الدولة المتوحدة، طوفان تشكل من مناخات عدة، رأسه في الجنوب وأطرافه في صعدة وعموده المعاناة الشديدة في كل النواحي والمحافظات اليمنية، وربما هو امتداد لعاصفة من الفوضى واضطراب المشاهدين في أكثر من بقعة وزاوية في العالم. مارد الجنوب خرج من قمقمه، ولا أظن إخماد ثورته بدون مشاركة حقيقية في القرار والثروة والوجود، الشمال معركته قرص الرغيف وفساد الإدارة وندمه على ما فات من التضحيات والشعارات الوحدوية والديمقراطية، وليس بمقدور أحد وقف جماح الجنوب أو استشعار ما يخفيه الشمال في أعماقه وصمته، لا أحد يستطيع التنبوء بدرجة الخطر إذا ما حلت الفوضى في بلد لم يعرف من الدولة سوى شكلها، العقلاء وحدهم يدركون كارثية المضي إلى مجهول أو انتظار الطوفان، ومع ذلك غابت الحكمة ورجالها، وأطلت الفوضى بوجهها وأنيابها.. وربنا يستر!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى