في ريعان الشباب يقدمون كقرابين على مذابح آلهة الثأر في محافظة شبوة

> سالم عبدالله محمد شحتور:

> لقد كانت القبائل العربية القديمة تعيش على موارد الماء والكلأ، وتتنقل حسب وجود هذه الموارد في صحارى بلاد العرب، وتنشأ بين القبائل الكثير من المنازعات على هذه الموارد، حيث تتطور هذه المنازعات حتى تصل إلى القتل، ومن أجل حماية القبيلة والحفاظ على مصالحها ظهرت مسألة الثأر، حيث لايوجد سوى قانون البقاء للأقوى (شريعة الغاب)، ولعل أبرز صراعات الثأر القديمة صراعات قبيلتي طسم وجديس وبكر وتغلب (حرب البسوس) وعبس وذبيان (حرب داحس والغبراء)، وظلت صراعات الثأر متواصلة بين قبائل العرب إلى أن أتى الدين الإسلامي الحنيف، ومنع دماء الجاهلية وجعل المسئولية الجنائية شخصية (النفس بالنفس والجروح قصاص) إلا أن تلك المسألة لم تختف من حياة العرب، وظهرت بصور مختلفة في بعض الأقطار العربية، حيث يوجد ضعف سلطة الدولة القطرية، إلا أن بلادنا اليمن تكاد تكون الدولة الوحيدة التي لاتزال تظهر فيها هذه المسألة، كما كانت في العصر الجاهلي، اللهم الفترة السابقة في حكم الجنوب، بفعل وجود دولة استطاعت أن تفرض سلطتها على كل ذرة من تراب المحافظات الست المكونة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

صحيح إن جريمة القتل لم تكن معدومة في تلك الفترة، ولكن إن وجدت يتم مباشرة تحكيم القضاء فيها وفقا للقوانين النافذة في البلاد، وعند قيام الجمهورية اليمنية في 1990/5/22 عادت هذه الظاهرة بعد أن اختفت في المحافظات الجنوبية، لكونها لم تختف في المحافظات الشمالية أثناء حكم الجمهورية العربية اليمنية، وانتشرت حتى وصلت المحافظات الجنوبية، إلا أن محافظة شبوة كانت الأكثر انتشارا لهذه الظاهرة فيها، حيث أنها أكثر محافظة من محافظات اليمن تقدم القرابين على مذابح آلهة الثأر، حيث يلاحظ أن ماذهب قربانا لآلهة الثأر في بعض مناطق محافظة شبوة أضعاف ماذهب قربانا لآلهة الصراع السياسي منذ الاستقلال حتى اليوم، والباحث في الأمر يرى السبب الرئيسي لتفاقم هذه الظاهرة ضعف سلطة دولة الجمهورية اليمنية، لغرض في نفس يعقوب، حيث أن الجاني يقوم بجريمته ويظل حرا طليقا دون أن يمسه أي إجراء قانوني من قبل الدولة، أما السبب الثاني فهي الثقافة الجاهلية التي لاتزال رائجة في مجتمعنا، والتي وصفها الإسلام وجبها قبل أكثر من 14 قرنا، إلا أنها لاتزال في مجتمعنا ثقافة رائجة، حيث يتحمل الدم كل أفراد القبيلة، وأي من أفراد قبيلة القاتل يعتبر هدفا لقبيلة المقتول في مخالفة صريحة للعقل والدين والقانون، أما السبب الثالث تنشيط هذه الظاهرة، فمتخذ من سياسة (فرق تسد)، والسبب الرابع يرتبط بالسبب الأول، وهو عدم حل المشاكل والمنازعات بين الناس، حيث تتعقد تلك المشاكل إلى أن تؤدي إلى عواقب وخيمة، لعدم وجود دولة يلجأ إليها تستطيع تنفيذ قوانينها.

أن تلك الأسباب التي ذكرنا هي التي جعلت هذه الظاهرة تتفاقم في محافظة شبوة، مؤدية إلى آثار كارثية من الناحية الإنسانية والاقتصادية، أما من الناحية الإنسانية فتتمثل في إزهاق أرواح بشرية في ريعان الشباب ورجال يتركون وراءهم أطفالا أيتام وزوجات وأرامل دون عائل، ومن الناحية الاقتصادية تؤدي إلى محاصرة أعداد كبيرة من القوى المنتجة في إطار هذه القبائل، حيث تؤدي هذه الظاهرة إلى إفقار قبائل بكاملها، مما يزعزع الاستقرار العام في البلاد، ويؤثر على النمو الاقتصادي العام في البلاد، وفي تقديري أن الحلول لإنهاء هذه الظاهرة عدة إلا أن الحل الأساسي هو فرض هيبة الدولة على كل أجزاء الجمهورية اليمنية، والعمل على تنفيذ قوانينها عبر أجهزتها التنفيذية المختلفة، ومن الحلول الفرعية مايلي:

- عقد اجتماع يضم كافة مشايخ القبائل في المحافظة وأساتذة الجامعات والمثقفين والشخصيات البارزة من أبناء المحافظة، وقيادات الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، لمناقشة سبل إنهاء هذه الظاهرة، وفي اعتقادي أن من عوامل إنهاء هذه الظاهرة مايلي:

-1 أن تكون مسألة الثأر شخصية، أي يكون الثأر من شخص الجاني، وليس من أي فرد من أفراد القبيلة، وذلك ما يؤيده العقل والدين والقانون.

-2 عمل ميثاق وحلف على غرار حلف الفضول، وتكون الجناية شخصية، ويسلم القاتل للقصاص الشرعي، وفي حالة تعذر القبض عليه يظل يطارد شخصيا لتسليمه للقصاص الشرعي أو الثأر منه.

-3 تنشيط الوعظ الديني فيما يخص هذه المسألة، وبيان عقوبة القتل في الدنيا والآخرة، وبيان إثم المشارك أو المتعاون فيه.

-4 محاربة الفساد الذي هو أحد الأسباب المؤدية لأخذ الثأر، بحكم التلاعب بقضايا الناس.

في الأخير لا أنسى أن أذكر بأن الحل الأساسي لإنهاء هذه الظاهرة هو فرض سلطة الجمهورية اليمنية على كل أجزائها، وتنفيذ أنظمتها وقوانينها عبر أجهزتها التنفيذية المختلفة، على أساس المسئولية الجنائية الشخصية.. والله الموفق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى