النفط.. ماذا أعطانا وماذا أخذ منا؟

> سالم علي بن زقر:

> هناك الكثير من بلاد العالم الثالث التي بليت بالاستعمار قديمه وحديثه، تعيش على بيع ثرواتها المعدنية لبلاد العالم الصناعي، وهذه هي البلاد التي يلاحظ أنها أكثر البلاد انحطاطا في شكل حكوماتها وفساد إداراتها واقتصادها وتحقيرها للإنسان وحقوقه الأساسية.

فكما هو معروف أن الثروة المعدنية ثروة غير متجددة، ما يستخرج منها اليوم يخرج من ثروة البلاد القومية، ويستحيل استرداده. من هنا كانت الحاجة الملحة لإيجاد سياسة رشيدة لاستغلال هذه الثروة أكفأ استغلال، وتحويلها إلى شكل آخر من الثروة، يمكن أن تستفيد منها الأجيال القادمة.

والسؤال الذي يطرح نفسه ويدور في أذهان الجميع: ماذا أعطانا النفط نحن أبناء هذه الأمة عامة وحضرموت خاصة؟.. ماذا أضاف لنا على صعيد التنمية؟.. ماذا كسبنا وماذا خسرنا؟ والأمر هنا يحتاج إلى نظرة موضوعية متأنية، نرى فيها حصاد هذه السنوات وعمر النفط، منذ أن دشن تصدير أول حمولة نفط إلى الأسواق الأوروبية من حقل المسيلة. ففي الوقت الذي نتطلع فيه إلى زيادة المكاسب التنموية، نلاحظ أن المواطن يعاني من ارتفاع أسعار السلع الأساسية ورفع الدعم عنها، الذي كان ساندا قبل اكتشاف هذه الثروة وازدياد اكتشاف الحقول والكميات المصدرة، إضافة إلى ازدياد تسعيرة الخدمات (الكهرباء والماء والتلفون)، إضافة إلى تراجع أسعار صرف النقد الوطني في مواجهة الدولار وتحول تجار السوق السوداء إلى حاكمين بأمرهم في غياب أي ضبط رسمي للأسعار، واتساع الفوارق الطبقية.. كلها عوامل تبعث على الإحباط، وتحول دون ظهور روح الانتماء، فلحظات السعادة الحقيقية والإحساس بالبهجة والفرح اختفت من حياتنا أو كادت تختفي، بسبب صعوبة الحياة ومشاكلها والمعاناة اليومية في العيش، ولأسباب أخرى اقتصادية واجتماعية وسياسية، وربما بسبب الخوف والقلق من المجهول، كل هذه المشاكل والبلاوي التي أصابتنا وهدمت مسيرة الوطن وتقدمه وحولت حياتنا إلى نفق مظلم.

فمع كل النكسات التي تلاحق المواطن نرى الحكومة تتاجر بآلام وأحزان الفقراء لصالحها، فهي تعلن وبإجراءات عملية وقوفها ضدهم، فمجموع إجراءاتها أدت إلى زيادة أعداد الفقراء في كل اتجاه دون أن تقدم خطوات جادة لحماية الفقراء، فمما عملته السياسة الحكومية الجائرة بمواطنيها يمكن استنتاج المدى الذي وصل إليه الشرخ في السلوك العام، لقد تم التخلي عن قيم حميدة متوارثة، وأحلت مكانها قيم أخرى أباحت بعض السلوكيات كالكذب، الغش، الرشوة، الرذيلة، السرقة، وكل الجرائم.

أجراس الخطر تدق لأفراد المجتمع، فالجريمة تأكل شبابنا، وتقوده إلى طريق غير قويم، تمهده البطالة والتضخم واستحالة الحياة الكريمة والعيش بنظافة وشرف، فقد أكدت العديد من الدراسات السيكولوجية والاجتماعية على تعرض نفسية وسلوك المواطن لهزات عنيفة إثر الضغوط الاقتصادية والضائقة المالية التي تجابهه في مجرى حياته الطبيعية، الأمر الذي يحوله من إنسان طبيعي ينخرط في العديد من العلاقات الاجتماعية إلى إنسان غير طبيعي متذمر أو منطوٍ رافض للقيم والأخلاق والتقاليد التي عاش بها وعليها.

فلايمكن أن تستقر أمور الحياة من أجل التنمية والبناء والتعمير دون وجود قوة قتالية لمحاربة أوكار الفساد ورموزه، فهناك الذئاب البشرية أخطر وأبشع ألف مرة من ذئاب الحيوانات التي قد تنهش يدأ أو ساقا وتجري، وبرصاصة واحدة يمكن القضاء عليها.. أما الذئاب البشرية فهي تتلذذ بنهش جسد الضحية قطعة قطعة، وسحق آدميتها وروحها يوما بعد يوم، فلا يمكن أن تصفو الحياة مع وجود مثل هؤلاء، حيث إن الحياة أصبحت عبارة عن كوابيس، وكل شيء حولنا أصبح حطاما.

فهل نجحت الحكومات المتعاقبة في القضاء على الفقر أو ظاهرة البطالة المتفشية على طول البلاد وعرضها أو على الأقل التخفيف منها؟. يلاحظ أن أعدادا كبيرة من طلاب الجامعات الذين بذلوا ربع أعمارهم في التعليم يخرجون إلى المجتمع ولايجدون ثمرة كفاحهم وجهادهم، مما يولد لديهم الرغبة في الانتقام من المجتمع بأية صورة. هذا صورة بسيطة لبعض القضايا اليومية المعاصرة التي يعايشها ويعاني منها كل أبناء الوطن.

فكثيرا ما نسمع عن اكتشاف حقول نفطية في المنطقة الفلانية، وغيرها في مناطق أخرى.. فماذا أعطتنا هذه الاكتشافات؟ هل اكتشاف النفط رفع مستوى الخدمات العامة من صحة وتعليم وإسكان وغيرها، أو على الأقل حافظ عليها؟ هل أحدث النفط تغييرا في التحديات الاقتصادية والتنموية ومواجهة الظروف والتحديات التي نواجهها؟.. معظم الشعب يعيش تحت خط الفقر، أو مادون ذلك، فاكتشاف الحقول يزداد، واستمرار مسلسل الجرعات وزيادة أسعار السلع الاستهلاكية مستمر.. تناقض رهيب! فهل هناك سياسة أكثر عدلا لتحقيق عائدات الثروة النفطية لخدمة التنمية؟، فلا توجد سلعة كالنفط أثارت كل هذه الصراعات والنزاعات والأمراض التي نعانيها، فهو العنصر المهم وراء كل الإنجازات، والعامل المؤثر في استعار نيران الشقة والخلاف وسبب الانكسار.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى