زيادة الأجور والدواء المر

> جلال عبده محسن:

> الغلاء وإن كان يمثل ظاهرة عالمية.. ولكن المشكلة أنه لايبدو له ملامح التراجع والانكسار، وعلى الأقل في المنظور القريب طالما وأننا في الدول العربية تابعون لسياسة الصندوق والبنك الدوليين، ومعتمدين على الاستيراد الخارجي، وتحديداً في استهلاكنا للمواد الأساسية والضرورية لغالبية الناس، نأكل مما لانزرع ونلبس مما لانصنع ونقتني منهم كل جديد في عالم التكنولوجيا والتقنية، حتى الجهد الفكري أبطلوه منا، كما قال أحد المثقفين، فنام إلى أن توقظه الأزمة، فيستيقظ وهو أقوى مايكون عقلا، وأعمق فكرا، وأوسع أفقا، فإذا تم تجاوزها، نام الفكر مرة أخرى.

إن الزراعة أصبحت اليوم سلاحا إستراتيجيا، لايقل أهمية عن الأسلحة التقليدية، تستعمله الدول كسلاح في الصراعات الدولية، شأنه شأن الصراعات السياسية والعسكرية.. وفي إطار تحقيق هذه السياسة قامت الولايات المتحدة في 1970 بتخفيض المساحة المخصصة لإنتاج القمح بنسبة 25% برغم تزايد الطلب العالمي، وهو ما أدى إلى نقص في الإنتاج بما يعادل 70 مليون طن، وهو رقم يساوي ضعف ما تستورده البلدان النامية من القمح لاستخدامه كسلاح ضغط اقتصادي وسياسي.

ورغم ما اشتهرت به المنطقة العربية عبر تاريخها الطويل في فنون الري والزراعة، واختلاف المناطق الطبيعية في البلاد العربية، والمزروعات الناجحة في كل منها يدل على وجود تكامل طبيعي.. ولكن ما مغزى القوة الاقتصادية هنا إذا كان ركنها السياسي واهنا؟!.. وإلا لما كان حال السودان اليومى من تمزق وشتات داخلي وفقر، بينما هي أكبر الدول الأفريقية على الإطلاق، وتحتل نسبة 8.3% من مساحة القارة الأفريقية، وتمتد على أرض شاسعة مساحتها 2.505.318 كيلومتر مربع.

وتظل الهوة في بلادنا بين موجة الغلاء وموجة الاستياء الشعبي تزداد اتساعا، في ظل التفاوت المريع في توزيع الدخل، وأزمات البطالة والتضخم والغلاء والفقر والفساد، لاسيما مع انسحاب الدولة، وتخليها عن أمن المواطن الاقتصادي في أمور كثيرة، وتركه للقطاع الخاص من الجشعين، ما يجعل زيادة الأجور أقرب إلى الدواء المر، لأنها لاتتحرك بقدر تحرك ارتفاع الأسعار، وإلا ماجدوى ارتفاع المرتب قيراطين إذا ارتفعت الأسعار أربعة مما يؤدي إلى التضخم والتآكل في الأجور الحقيقية.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى