بذور الشقاق

> عبدالقوي الأشول:

> عِبر التاريخ كثيرة، والحكمة أن نتعظ من تلك الأحداث.. إلا أن ذلك- للأسف- لم يحدث على مدى السنوات التي أعقبت استقلال شطري اليمن من الإمامة والاستعمار، فحالة الاستبعاد للآخر وعدم الاعتراف بحقوقه أو الإصغاء لمنطقه بدت نسقا سلوكيا، ونزفا سياسيا، كلل بؤر خلافاتنا وصراعاتنا بمآس حادة عكست نفسها على جوانب الحياة المختلفة، بل مثلت رهانا للانتقال من السيء إلى الأسوأ، مع تنامي البؤس وتدني مستويات المعيشة إلى حدود لم تعد مقبولة من وجهة النظر الاقتصادية، التي تستدعي توفر الحدود الدنيا للحياة البشرية.

فلو أننا قارنا حالنا اليوم بدول الجوار التي اهتدت عقب استقلالها للبناء الاقتصادي، ونأت عن رحى الصراعات الداخلية، لوجدنا حجم الفارق الكبير، رغم امتلاكنا الكثير من المقومات، سواء المادية أم البشرية.

المخيف حقا أننا مازلنا ندور في نفس دوامة الأمس، وما تطل من بؤر أزمات تتم التعبئة لها ببذور شقاق حادة، وتتسع دائرتها يوما عن يوم، مع محاولة كل طرف سياسي إظهار قدر من الكياسة والحصافة اللفظية عند الإشارة إلى ما هو قائم على السطح.

مثل هذه المواربات لاتخفي معالم صراع آخذ في التنامي، مظهرا صرعا عميقا في نسيج العلاقات الاجتماعية، حتى إن ما نرى ونسمع من حوادث فردية تصب في مجملها في إذكاء الوضع بحدة المشاعر المتناقضة.. أزمة تتسع أشداقها يوما عن يوم، مع عدم الاعتراف بخطر ما يجري.

فالحراك الجنوبي أو حراك الرفض السلمي يجابه بمثل هذا النمو من التعبئة الخاطئة المولدة لبعض نماذج الحوادث المؤسفة، مع استمرار إمعان طرف السلطة بوصف هذا الحراك باللاشيء، والمستهدف للوحدة، وإلى ما هنالك من تهم جائرة جاهزة، في حين يظل الطرف الآخر- أعني جانب الحراك الجنوبي الذي تتسع دائرته- متمسكا بمطالبه ونمط تعبيره السلمي، وإن كانت الأمور هناك لاتجري بتخطيط، إلا أن قدرا هائلا من الشعور بالغبن والتفرقة والمواجهة العدوانية التي يجابه بها عوامل تدفع بقوة نحو شدة الاحتقانات وردود الفعل، ما يعني اللعب على أطراف المعزوفتين، ولايمثل بأي حال انتصارا للوطن، فالسلطة التي بيدها زمام المبادرة لوقف ذلك يبدو أنها لاتفعل، رغم إن ضوضاء الحراك تزعجها، وربما تكون مؤرقة لها، إلا أن فكرة الاعتراف لاتمنع التعبئة ضده ومقاومته. ومثل هذا التدعيم المؤسف للشقاق الاجتماعي وقوده البسطاء من أبناء مجتمعنا، ولجم الوضع مع مرور الزمن بكل ما تصاحبه من تداعيات وحوادث وانتهاكات لايكون ممكنا، أعني حين يصل خط اللاعودة، ما يدعو بمسئولية وحرص لإعادة النظر في أمور كثيرة، وحسن قراءة الوضع وتقديره حتى لاتتكرر مآسي الماضي، ولكنها هذه المرة أمضى وأشد، نظرا لما يصاحبها من حشد وتعبئة وحث واستعداء ودس الرؤوس في الرمال أمام حقائق لايراد الاعتراف بها، وتسميتها بأسمائها.

إنها حالة من التباعد الصارخ والحاد بين تسميات طرف جنوبي وآخر شمالي، وعمليا ترك الأمور تذهب بهذا الاتجاه أو المنحدر المتسارع ستؤدي حتما إلى تهلهل نسيج ثوب السياسيين بموارباتهم وتصريحاتهم التي لاتريد أن تلامس حقيقة الوضع القائم.

حالة ربما ترى الاعتراف إزاءها يأتي متأخرا للغاية، ما يجعل الأمور تتخلق على مهل في أحشاء سياسية مواربة، وأكناف طيش سياسي متكرر في بلد لم تشفع له مسيرة نصف قرن من الاستقلال بتسوية أوضاعه وتنمية موارده.

وإزاء ما يعتمل لانجد بُدّا من التساؤل المنطقي.. إلى أين يمضي بنا هؤلاء؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى