شيخ الحديث بعدن ..( العلامة الشيخ أحمد بن أحمد مهيوب) رحمه الله

> عبدالقادر بن عبدالله المحضار:

> الحمد لله المستحق لأنواع الحمد والثناء المتفرد بالعظمة والكبرياء الذي رفع طبقات العلماء، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء وعلى آله السادة الأصفياء وأصحابه الأتقياء، أما بعد : فهذه نبذة يسيرة من سيرة وأخبار عالم عدن ومحدثها شيخنا العلامة المسند الفقيه القاضي بقية العلماء ووارث الفضلاء الشيخ أحمد بن أحمد مهيوب تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه أعلى جناته وأخلفه على الإسلام والمسلمين بالخلف الصالح، الذي يعد من أبرز رجال العلم والتربية والدعوة إلى الله ليس على مستوى مدينة عدن وحدها بل على مستوى بلاد اليمن بعمومها، وحقيقة الحال أن الشيخ رحمه الله أشهر من نار على علم وشهرته تغني عن ترجمته، كيف ومن المعلوم أن المعرف لا يعرف والمكبر لا يكبر، وهو ليس بحاجة إلى من يقوم بالترجمة له أو التعريف به أو الحديث عنه، ومن باب أداء جزء من الوفاء تجاه ذلك العالم الرباني كتبت هذه العجالة، وعليه فإن الحديث عن هذه الشخصية العظيمة الفذة سيدور حول المحاور الآتية :

أولا- ميلاده ونشأته :

ولد العلامة الشيخ أحمد بن أحمد مهيوب بن قاسم الجبيحي في قرية بكاري بجبل حبشي بتعز سنة 1356هـ ونشأ نشأة صلاح وتقوى في أسرة فاضلة مباركة اشتهرت بذلك، وتلقى علومه الأولية على يد والده الشيخ الصالح أحمد بن مهيوب، وتربى بنظره وتحت رعايته تربية دينية أهلته لأن يدخل في غمار طلاب العلم الآخدين منه بأوفر حظ ونصيب .

ثانياً - طلبه للعلم وذكر بعض مشايخه:

شرع رحمة الله عليه بطلب العلم بتوجيه من والده ثم كان وازعاً دينياً من نفسه وجهه لطلب العلم وملازمة أهله إضافة إلى نصيحة تلقاها من بعض العلماء والمشايخ من آل حسان، وقد افتتح حياته العلمية بحفظ كتاب الله وتجويده على يد بعض فقهاء بلاده ثم لما بلغ الخامسة عشرة من عمره لازم شيخه العلامة محمد بن حزام بن سعد الجندي المتوفى سنة 1405هـ فقرأ عليه في علم الفقه سفينة النجاء، ومتن أبي شجاع وشرحه للشيخ ابن قاسم، ومتن خلاصة الزبد، والمقدمة الحضرمية والتحرير، كما قرأ في علم الفرائض متن الرحبية، وفي علم النحو متن الأجرومية بشرح السيد أحمد دحلان والشيخ الكفراوي ومتممة الأجرومية وشرحها الكواكب الدرية، وفي علم التوحيد جوهرة التوحيد والخريدة البهية، وتحفة الأطفال وهداية المستفيد في علم التجويد، وغير ذلك، كما قرأ على العلامة الشيخ أبي الفتح محمد بن أبي الغيث بن حسان كتاب بلوغ المرام في علم أحاديث الأحكام، والبيان في الفقه وأخذ عنه الطريقة الشاذلية عن أبيه عن جده .

ولما كان رحمه الله ذا همة عالية في طلب المعالي لم يكتف بما درسه على يد علماء بلده بل شد عزمه على الهجرة إلى الديار المقدسة رغبة في الاستزادة من العلوم فرحل في سنة 1374هـ إلى الحرمين الشريفين وهو في الثامنة عشرة من عمره واستقر به المقام في أم القرى، حيث كان البلد الحرام يزخر آنذاك بحلقات العلم ومجالس العلماء، فقام بملازمتها ملازمة كاملة واعتنى بالأخذ عن علماء البلد الحرام عناية عظمى خلال سبع سنوات قضاها كارعاً من نمير علومهم مجداً في الطلب مجتهداً في التحصيل، وقد أدرك جملة وافرة من كبار العلماء الذين يندر أن يجود الزمان بواحد منهم فضلاً عن جميعهم، فتتلمذ على يد العلامة المحقق محمد العربي التباني الملقب (بشيخ العلماء) المتوفى سنة 1390هـ وقرأ عليه الشمائل المحمدية للإمام الترمذي، وأكثر الجامع الصغير للإمام السيوطي، والزواجر للحافظ ابن حجر، كما قرأ على يد العلامة الكبير علوي بن عباس المالكي الحسني، المتوفى سنة 1391هـ تفسير الإمامين البغوي وابن كثير، ومعظم صحيحي البخاري ومسلم، وجميع سنن أبي داود، ورياض الصالحين في علم الحديث، والبيقونية وشرحها، ورفع الأستار شرح طلعة الأنوار في علم مصطلح الحديث، ومتن متممة الأجرومية وشرحها الكواكب الدرية، وقطر الندى لابن هشام وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك في علم النحو، ومراقي الفلاح في علم الصرف، وقرأ على مفتي الشافعية بمكة العلامة حسن بن سعيد يماني المتوفى سنة 1391هـ المنهاج للإمام النووي بشرح المحلي كاملاً في علم الفقه، ومتن الوريقات وشرحها للعلامة عبدالحميد قدس، وبعض اللمع في علم الأصول، وبعض صحيح البخاري، وجميع صحيح مسلم، وبعض سنن النسائي في علم الحديث، ولطائف الإشارات في علم التفسير، والأشباه والنظائر للإمام السيوطي في النحو، وقرأ على أخيه الشيخ علي بن سعد رحمه الله تحفة الطلاب في الفقه، كما قرأ على محدث الحرمين الشريفين العلامة حسن بن محمد المشاط المتوفى سنة 1399هـ بعض صحيح البخاري، وجميع سنن الترمذي في الحديث، والتقريرات السنية شرح البيقونية، ورفع الأستار شرح طلعة الأنوار - وهما من تأليفه - في علم مصطلح الحديث، وغير ذلك، وقرأ على العلامة محمد نور سيف المتوفى سنة 1403هـ جميع صحيح البخاري وبعض الموطأ، واللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، والترغيب والترهيب للمنذري، ورياض الصالحين في الحديث، ومعظم تفسير الجلالين، وبعض تفسير ابن كثير، والإيضاح للإمام النووي في الفقه، وشرح الباجوري على الجوهرة في علم التوحيد، والكواكب الدرية في النحو ومواقي الفلاح في علم الصرف، والجوهر المكنون في علم البلاغة، وغير ذلك، وقرأ على العلامة المتفنن الشيخ محمد بن علي التكروني رجمه الله متممة الأجرومية وتفسير الجلالين والأربعين النووية، وحضر على شيخنا العلامة مفتي الشافعية الشيخ عبدالله بن سعيد اللحجي المتوفى سنة 1410هـ كتاب المنهاج ونظم الورقات وشرحها وكثير من الدروس العلمية، كما تشرف بالأخذ عن علامة مكة وشيخ علمائها العلامة محمد يحيى بن الشيخ أمان المكي الملقب (بأبي حنيفة الصغير) المتوفى سنة 1387هـ والعلامة المحدث شيخ الحديث بسهار نفور بالهند الشيخ محمد زكريا الكاند هلوي ثم المدني المتوفى سنة 1402هـ وشيخنا مفتي الشافعية بمكة العلامة إسماعيل عثمان زين المتوفى سنة 1414هـ وغيرهم، ونال من جميعهم الإجازة العلمية الشرعية المسندة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ثالثاً - تصدره للدعوة إلى الله وذكر بعض مشايخه في اليمن :

وفي سنة 1382هـ استأذن الشيخ أحمد رحمه الله مشايخه في العودة إلى بلاده، فأذنوا له بعد أن رأوا تضلعه في العلوم وأهليته للإفادة، فأجازوه بإجازة علمية عظيمة عالية وأذنوا له بالتدريس والإفتاء ونشر العلم والدعوة إلى الله، فعاد إلى اليمن واستقر به المقام في مدينة عدن مفيداً ومستفيداً بل شمر عن ساعد الجد وطفق يأخذ عن شيوخ العلم بعدن أمثال العلامة السيد مطهر مهدي الغرباني المتوفى سنة 1388هـ ، وقد قرأ عليه فتح المعين والمنهاج في الفقه ومتن الرحبية بشرح سبط المارديني والفوائد الشنشورية في علم الفرائض وغير ذلك، وقد أجازه خصوصاً في قراءة البخاري وإقرائه بعد قراءته عليه فتصدر في مسجد أبان لقراءته مايقارب سنتين، كما أخذ عن العلامة المحدث كامل عبدالله صلاح المتوفى سنة 1395هـ وقرأ عليه أوائل صحيح البخاري وأجازه خصوصاً في قراءته وقد أجازه الكثير من علماء عدن أمثال العلامة الشيخ محمد بن سالم البيحاني المتوفى سنة 1392هـ والعلامة الشيخ علي محمد باحميش المتوفى سنة 1397هـ ، كما أجازه كثير من علماء اليمن كالإمام الشهير عبدالقادر أحمد السقاف متع الله بحياته مفتي حضرموت وشيخ علمائها ، وقد قرأ عليه في صحيح البخاري ، ومفتي حضرموت العلامة الشهيد محمد سالم بن حفيظ المتوفى سنة 1392هـ وعلامة أحور السيد علي بن أبي بكر المشهور المتوفى سنة 1402هـ والعلامة إسماعيل بن مهدي الغرباني المتوفى سنة 1400هـ ومفتي الحديدة وخطيب جامعها الشيخ عبدالله محمد مكرم المتوفى سنة 1404هـ وغيرهم .

وقد قام رحمه الله في مقام الدعوة إلى الله ونفع الأمة بعمومها وخصوصها خير قيام، فقد استغرق نشر العلم والدعوة إلى الله جل أوقات الشيخ، فمن حين قدومه مكة وهو قائم بهذه الوظيفة العظيمة ?{?ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً?}? قرابة (44) عاماً أخذ عنه خلالها خلائق لا يحصون من طلاب العلم نهلوا من علومه ومعارفه وقد ساعدهم على ذلك غزارة علم الشيخ وحرصه على الإفادة المتوج ذلك كله بتواضع عظيم ولين جانب من غير تكليف ولا تصنع، وقد قام بالتدريس أولاً لكثير من طلاب العلم بمكان هيئ له بالقرب من منزله المبارك بعدن، كما درس في مسجد علي بهاي الواقع في سوق الحراج أكثر من أربع سنوات وقبلها في مسجد بانصير، كما درس في مسجد أبان ما يقارب سنتين كان خلالها مثلاً للداعية الحكيم والعالم المخلص فالتف الناس حوله وأقبلوا على دروسه ومجالسه وكان معنياً بصفة خاصة بصحيح الإمام البخاري درساً وتدريساً، ثم انتقل بعد ذلك إلى مسجد الشيخ عبدالله الذي أقام به إماماً وخطيباً وداعياً وموجهاً مايقرب من (34) عاماً إلى قبيل وفاته، اكتمل فيها بدر علومه وأشرقت فيها على عدن وأهلها شمس معارفه حتى أصبح ذلك المسجد الذي لا يؤبه له من حيث هيئته وبنيانه مقصداً لطلاب العلم من كل مكان وهذا كله بفضل الله ثم بفضل جهاد الشيخ وصدقه وحرصه وصبره على ما لاقاه من مشاق في سبيل رفع منار العلم والدعوة إلى الله فأكرمه الله بأن جعله من وراث المرسلين وحاملي تركة النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

وقد قام رحمه الله بالإضافة إلى ذلك بالتدريس في مدرسة بازرعة الخيرية الإسلامية وفي عدد من المدارس الحكومية تخرج عليه فيها أجيال عديدة، كما تولى القضاء برهة من الزمان بالإضافة إلى كونه كان مأذوناً شرعياً وهو يعد المرجع الأول لأبناء محافظة عدن بل ومرجعاً لكثير من أبناء المحافظات فيما أشكل عليهم من أمور دينهم، ومستشاراً في مهمات شؤون دنياهم وعوناً على قضاء حوائجهم وتيسير أمورهم، لأنهم كانوا يرونه بمنزله الأب الشفيق، كما لا ينسى منزله الذي كان مقصداً يؤمه طلاب العلم ومحبو الشيخ من أماكن شتى ونواحٍ متعددة للأخذ عنه والارتشاف من معين علومه، وفوق هذا وذاك كان مقصوداً بالأخذ وطلب الإجازة العلمية الشرعية من بلدان كثيرة كالحجاز والشام والمغرب، وذلك لمكانته العلمية وعلو إسناده، وبالجملة فقد كان مشعل نور وضياء ومصدر فيض وعطاء وكنز علم وأدب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، ولكن لم يعرف قدره أحد من أهل عصره ولله الأمر من قبل ومن بعد ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا سبيل إلى الحديث عن أخلاقه الحسنة وشمائله الغراء إذ أنَّى يتأتي لواصف أن يصف رجلاً انعقد إجماع معاصريه على جلالة قدره ووافر حرمته وكونه ممن يندر الزمان أن يجود بأمثالهم ؟!

وما عسى أن يقال في وصف رجل جعله الله تذكاراً للسلف الصالح في أخلاقه وعلمه وعمله وصفاته، فكان الأول إمساك القلم عن الخوض في عباب هذا البحر المتلاطم الأمواج.

رابعاً - وفاته وآثاره :

لايزل الشيخ أحمد قائماً بكافة وظائفه المباركة أحسن قيام حتى قبل وفاته بنحو ثلاثة أشهر، حيث مرض مرضه الأخير، كما هو معلوم ثم اختاره الله إلى جواره، فانتقل إلى جوار ربه مساء يوم السبت السادس من شهر ربيع الآخر سنة 1426هـ عن عمر ناهز سبعين عاماً وشيع ظهر اليوم التالي في موكب مهيب لم يعرف له مثيل خرجت فيه عدن عن بكرة أبيها تودعه وتشيعه، فكنت أرى الناس كالسيل الجارف وكأنه ما بقي أحد بالبلد إلا وأتى لها، ولاشك أن أهل السنة يعرفون بجنائزهم، وقد ووري الثرى جثمانه بمقبرة العيدروس بجانب جمع من مشايخه وأعيان عدن وصلحائها، كما أقيم العزاء فيه في العديد من بلاد الإسلام وصلاة الغائب في كثير من مساجد المسلمين، وقد أرخ وفاته السيد الفاضل محمد عمر المحضار (ساكن مكة المكرمة) بقوله :

أرخ وفاته قل أباً شيخاً تقياً

مجموع عددها = 1426 = 4 + 911 + 511

كما رثاه الكثير من العلماء والخطباء في خطبهم والأدباء والشعراء في قصائدهم وعلى رأسهم فضيلة المفكر والداعية الإسلامي أبوبكر العدني بن علي المشهور الذي رثاه في قصيدة طويلة مطلعها :

أسفي يطول بفقد أشياخ الهدى

ويدوم حزني كلما الموت عدا

إلى أن قال :

رحماك ربي كل شيء ها هنا

من شدة الحدث الأليم تشهدا

عدن الأسيفة قد بكته تألما

ولحزنها البحر الخطم تنهدا

وأرى الزمان وقد نعاه مؤكدا

عظم المصاب لمن وعى وتأكدا

رحم الإله فقيدنا وأظله

في جنة الفردوس طابت مقعدا

وقد ترك رحمه الله ذكراً حسنا وأبناء بررة وتلاميذ كثراً سائرين على دربه إن شاء الله وتراثاً متفرقاً من الخطب والفتاوى والمواعظ يسر الله من يقوم بجمعها، وهو وإن لم يكن من أرباب التأليف للمصنفات والكتب، لكنه من أرباب تأليف الرجال وصناعة الأجيال، وبوفاته رحمه الله طويت صفحة مضيئة لبقية كبار علماء هذه البلدة المباركة وآخر صدورها العلمية البارزة ونسأله جلت قدرته أن يجعل الخير والبركة في أبناء الشيخ وذريته وطلابه ومحبيه ويؤهلهم لحمل التركة التي خلفها لهم شيخهم ووالدهم ويجعلهم خير خلف لخير سلف إنه سميع مجيب..

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى