(الحضارم رواد الهجرة عبر عدن إلى الهند)

> فاروق لقمان:

> فيما يلي الحلقة الثانية والأخيرة من مقالي عن هجرة الحضارم إلى جنوب الهند وبالتحديد ولاية ملبار.

وأخص بالذكر هنا بعض الأسر الحضرمية الشهيرة التي سجلت تاريخاً حافلاً هناك.

نشرت جريدة «الانديان اكسبريس» الهندية التي تطبع في عشرات المدن في وقت واحد مقالاً في العقد الماضي في صفحة واحدة مع ثلاث صور عن ثلاث أسر حضرمية كانت قد هاجرت من موطنها في حضرموت اليمنية إلى ملبار قبل مائتين وخمسين عاماً.

لخص المقال العلاقات الوثيقة التي كانت تربط بين الخليج واليمن من جهة وملبار من جهة أخرى – وطبعاً حيدر عباد الهندية أيضاً – إذ أشار إلى الأسر الثلاث بأنها تنتمي إلى آل الجفري وبارامي وبافقيه.

وصل السيد شيخ بن محمد عام 1746 إلى كوشيكود اسمها الهندي الأصلي الذي عدله البريطانيون إلى كاليكوت وظل كذلك إلى عام 1947 إلى أن قررت الحكومة تهنيد الأسماء ومنها ممباي من بومبي، وشيناي من مدراس وكلكوتا من كلكتا.

وكغيره من المهاجرين الحضارم كان الرجل في مقتبل العمر فاندمج بسرعة في المجتمع الملباري الذي سبقه إليه العديد من الحضارم عبر القرون الماضية كما تقدم ونال قسطاً وافراً من العلوم الدينية وكان يشار إليه بلقب تنكل لأنه من السادة وحظي باحترام كبير حتى أن أمير الولاية أو «زامورين» منحه بيتاً كبيراً مع مزرعة واسعة في مقاطعة كوتشيرا حيث يقع منزل آل الجفري حتى هذا اليوم.

ويقال أن ملك الجنوب الأشهر البطل تيبو سلطان الذي قاوم البريطانيين حتى استشهد في النهاية زاره في بيته وأكرم مثواه تقديراً لعلمه وزعامته.

ويقع ضريحه أو «المقام» بجوار بيته الذي نشرت الجريدة صورته ويحتفل الناس بالذكرى السنوية لوفاته حسب العادات المتبعة عندهم.

يقول شيخ آل الجفري حالياً السيد فضل بوكويا تنكل، رئيس لجنة أوقاف كيرالا إن أفراد الأسرة قد تفرقوا في أنحاء ملبار ولم يعد الزواج داخل الأسرة إجبارياً كما كان في الماضي إلا أنه لا يزال يقيم في منزله القديم ويقوم بأعمال متفرقة.

وصل السيد محمد بافقيه إلى كويلاندي عام 1770 وتزوج من أسرة أحمد مونافارا أحد أبرز المسلمين في الميناء القديم.

واشتغلت الأسرة في تجارة الكوبرا وتصديره. والكلمة مليالية الأصل وتعني محتويات فاكهة النارجيل التي يستخرج منها الزيت عند عصرها.

ويضيف كبير الأسرة حالياً السيد عمر بافقيه تنكل أنه انضم إلى الرابطة الإسلامية وأن والده هاشم كان طالباً في جامعة اليجر الإسلامية قبل الالتحاق بحركة الخلافة لإعادة سلاطين آل عثمان إلى الحكم في أسطنبول بعد سقوط الإمبراطورية وتولي كمال أتاتورك السلطة. لكن الحركة زالت بعد بضع سنين رغم الدفعة القوية التي نالتها بانضمام المهاتما غاندي إليها خلال حركة تحرير الهند.

وكان السيد عبدالرحمن بافقيه تنكل أبرز أعضاء الأسرة في القرن العشرين سياسياً وتجارياً إذ اتسعت أعماله لتصل إلى رانجون عاصمة مينمار – برما سابقاً أيام الاستعمار البريطاني. وظل عضواً بارزاً في الرابطة الإسلامية حتى توفاه الله أثناء زيارته لمكة المكرمة لأداء فريضة الحج عام 1973.

اختارت أسرة البارامي الإقامة في المنطقة الواقعة بين بيبور وشاليام حيث اشتغلت في بناء السفن المصنوعة من الأخشاب بعد وصول الشيخ علي إلى كاليكوت عام 1797 حيث نمت تجارته وتنوعت نشاطاته لأكثر من قرنين كما يقول عبدالله رئيس الشركة المعروفة باسم حاجي محمد بارامي وأولاده ومنهم من ترك ملبار ليؤسس أعمالاً خاصة به في مناطق أخري في الخارج.

كان ما تقدم إشارات إلى بعض أشهر الأسر الحضرمية التي استوطنت ملبار بل يمكن القول بأن الحضارم شكلوا الغالبية العظمى من عرب الخليج واليمن الذين تاجروا مع ملبار وحملوا منها توابلها وأقمشتها وحرائرها إلى موانئ اليمن ومنها عدن الواقعة على البحر العربي في أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية، عند باب المندب.

ولا غرابة إذاً في أن التاريخ الحضرمي يحفل بمئات الكتب عن هجرتهم عبر التاريخ كما جاء في مؤتمر حركات الهجرة الحضرمية في المحيط الهندي ما بين الأعوام 1750 و1967 والذي عقد في بريطانيا تحت رعاية مركز دراسات الشرق الأوسط معهد الدراسات الشرقية والأفريقية جامعة لندن بالاشتراك مع منظمات بريطانية ودولية.

ونوقشت في المؤتمر العوامل الاقتصادية التي دعت إلى الهجرات من حضرموت وأهمها افتقار البلاد إلى الثروات الزراعية والحيوانية وروح المغامرة الحضرمية والاستعداد للتضحية بالنفس وترك الأهل في الوطن فترات طويلة حتى يتمكن المهاجر من تأسيس تجارة له في مختلف البلدان التي امتدت إلى إندونيسيا قبل وخلال العهد الاستعماري الهولندي.

عدد كبير من الأساتذة اشتركوا في المؤتمر ومنهم الأستاذ ستيفن ديل الذي ركز على الهجرات الحضرمية إلى ساحل ملبار.

ويقول إن الهجرات المذكورة بدأت قبل بزوغ الإسلام واشتدت بعد ذلك في القرن التاسع الميلادي كما تقدم وأقيمت مستوطنات زاهرة للحضارم في المدن الساحلية مثل كيلون وكاليكوت حيث كان يصل الحضارم لشراء التوابل والأقمشة ومنها الكاليكو نسبة إلى مدينة كاليكوت. وهو الذي أسهب في الكتابة عنه الرحالة والمؤرخ العربي ابن بطوطة إذ قال إنه كان أكبر ميناء في المنطقة ومن أكبر الموانئ في العالم على الأقل العالم الذي كان يعرفه أو يقرأ عنه.

وفعلاً كانت كاليكوت كذلك منذ الألف الأولى قبل الميلاد ولا تزال مركزاً تجارياً هاماً ومدينة زاهرة في ولاية كيرالا الثانية تجارياً بعد مدينة كوشين وتضم ستمائة ألف نسمة نصفهم من المسلمين والبقية من الهندوك والمسيحيين.

وكما يقول الكاتب ستيفن كانت الصين أهم سوق لمنتجات ملبار عبر كاليكوت. وبين القرنين الثاني عشر والخامس عشر هيمن العرب عليها حينما أصبحت المدينة أهم ميناء في الهند حيث التقت السفن القادمة من الشرق والغرب.

وعندما زارها ابن بطوطة عام 1342 كان يحكمها السلطان ساموري وقاضيها فخر الدين عثمان وأبرز تجارها الناخوده مسقال الذي كان يمتلك عدة سفن تجارية من النوع الذي تخصص الحضارم في بنائها بعد ذلك بأربعمائة عام تحت قيادة أسرة البرامي الشهيرة وبرعاية السلطان كان للعرب المغتربين حي معروف باسم نيرور تيكون بقيادة الشهنبور كويا أحد وزراء الزاموري وهي الأسرة المالكة الأبرز في تاريخ ملبار في تلك الأحقاب. وفي أحياء أخرى استقر التجار القادمون من الصين والبرتغال وغيرهم.

وفي كتاب المؤرخ نامبوديري تحت عنوان مدينة كاليكوت في العصور الوسطى، وصف شامل لأشهر مدينة في كيرالا حينذاك كما أن الأستاذ وليام لوجان يكرس مساحة واسعة لها ولبقية ملبار في كتابه الشامل المشار إليه من قبل.

واستمرت الهجرات الحضرمية في التدفق على ملبار من القرن الثامن عشر إلى الواحد والعشرين معاصرة لهجراتهم إلى إندونيسيا حتى انحسر الاستعمار الغربي وقامت دولة مستقلة في المهاجر اهتمت بأهاليها الأصليين وبعضها صادر تجارات الأجانب ومن بينهم الحضارم بالطبع كما حدث في إندونيسيا وانعكست الآية كما أشرت من قبل عندما شهدت منطقة الخليج – دول مجلس التعاون العربية حالياً – طفرة هائلة في مواردها النفطية احتاجت فيها إلى ملايين الأيدي العاملة الرخيصة عموماً. وكانت الهند – وعلى رأسها كيرالا - أهم وأكبر منبع للأيدي الماهرة وغير الماهرة التي احتاج إليها سوق دول المجلس.

تحدث المؤرخون ومن ضمنهم الأستاذ ستيفن ديل عن التركيبة الاجتماعية للعرب المستوطنين وعن طبقاتهم المختلفة من السادة والتجار والعلماء .

ومنهم كما تقدم آل الجفري وبافقيه والبرامي وعشرات الأسر الحضرمية التي لم يأت ذكرها ومنها من تزاوجت مع الأهالي الأصليين مثل آل كويا وكونوا طبقة جديدة من سكان ملبار عرفت بالمابيلا وأخرى بالبرديسي وهي كلمة هندية أصيلة تعني الغريب أو المهاجر.

ولم تنحصر الجاليات العربية الأصل في كاليكوت بل انتشرت إلى كاسارجود في أقصى شمال ملبار وديلي ودارمادام وكولام وشاليام وتانور (في عهد الزامورين) وبوناني وكوداجالور وكوشين، أهم مدينة ومركز تجاري حالياً في كيرالا، وكويلون وبعضها زارها ابن بطوطة وكتب عنها بإعجاب شديد لأنها امتدت من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.

وبمرور الأعوام تكونت جاليات عربية هندية مختلطة قبل بزوغ الإسلام بعدة قرون، ولا تزال المابيلا إلى اليوم تطلق على المسلمين في كيرالا وحدها.

ازدهرت العلاقات العربية الملبارية التي تواصلت خلال العصور والممالك الهندوكية والمغولية وأهمها في العهد البريطاني الذي جمع بين الهند والخليج العربي وجنوب شبه الجزيرة العربية تحت راية الإمبريالية بحيث كان العربي يزور ويتاجر ويستوطن الهند وكأنها بلده، كذلك كان للهندي الحق الكامل في الزيارات والعمل والإقامة في المناطق العربية دون أدنى عائق أو حاجة إلى إذن أو تأشيرة.

وكانت عدن التي استعمرها البريطانيون من 1839 إلى 1967 الأكثر جذباً للهنود من أي منطقة أخرى واقعة بين أقصى شمال الخليج إلى أقصى الجنوب اليمني.

إذ كانت منطقة ترانزيت وتجارة حرة يتدفق إليها التجار والمحامون والأطباء والفنيون والمدرسون وأركان الخدمة المدنية حتى أنهم شكلوا نسبة لا يستهان بها من عدد سكان المستعمرة التي كان غالبيتهم من العرب اليمنيين في الوقت الذي كان عرب الجنوب يتهافتون على التجارة مع الهند والخدمة في حكومة حيدر عباد والانخراط في بعض جيوش الولايات الهندية التي كان يحكمها الراجات والمهراجات وإن كانت في المحصلة النهائية محميات إذ سيطرت بريطانيا على الدفاع وسياساتها الخارجية وصادراتها ووارداتها لأنها احتكرت معظم صادرات الهند ووارداتها كما فعلت الدول الاستعمارية الأخرى في مناطق أخرى شملت العالم أجمع تقريباً.

وبعد بزوغ الإسلام في شبه الجزيرة العربية بدأت فتوحاته في شبه القارة الهندية أقصى الشمال عبر بوابة أفغانستان. أما في كيرالا فقد بشر به الدعاة الذين وصلوا أو واصلوا رحلاتهم بين الجنوب اليمني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى