كــركــر جـمـل

> عبده حسين أحمد:

> كنا في سنة ثانية كلية عدن عام 1952م.. عندما عاد إلى عدن ليدرس لنا اللغة العربية.. بعد أن تخرج في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

> وكأي شاب تزود بعلوم المعرفة والآداب.. عاد متمرداً علي أي شيء لا يقبله الذوق والعقل والمنطق.. وكان يحس نوعاً من العصيان المدني في صدره ضد الإدارة البريطانية بسبب تصرفاتها وتقصيرها في التعليم.. وكان أول ما فعله أستاذنا القدير معنا.. أنه ألغى منهاج اللغة العربية في الأدب والنصوص المقررة علينا.. بدون الرجوع إلى الإدارة.. واستبدلها بكتاب (من حديث الشعر والنثر) للدكتور طه حسين.. ومسرحية (كليوباترة) الشعرية لأحمد شوقي.

> ومن خلال هذه الدراسات.. بدأنا لأول مرة في حياتنا نتذوق الأدب والشعر.. وأصبحنا نشعر بأن الذي كنا نعرفه قليل.. وأن الذي لا نعرفه أكثر.. وكم جلسنا في الصف ننظر في لا شيء في انتظار أستاذنا الجليل.. نسمعه ونفهمه وهو يقرأ لنا ويحلل فصلاً من كتاب طه حسين أو مقطعاً من مسرحية (كليوباترة).

> كان الأستاذ الكبير عبدالله فاضل فارع من أسرة فقيرة مثل كل الأسر في الشيخ عثمان.. وقد تلقى دراسته الابتدائية والثانوية في عدن.. وكان ذكياً نابهاً حتى عرف بين زملائه بجده واجتهاده وتفوقه في دراسته في أقسى الظروف.. ثم استطاع أن يكمل دراسته العليا في الجامعة الأمريكية في القاهرة في ظروف أقسى وأصعب أيضاً..فلا شيء كان يسعده مثل الإقبال على الدراسة والتحصيل.. وعندما عاد إلى عدن كان أكثر إقبالاً بالعقل والقلب على العمل والمستقبل.

> وقد عاش الأستاذ عبدالله فاضل فارع المعلم الأول في كل وقت.. وهو ينشر في الصحف المحلية أفكاره وثقافته ومنهجه الجديد في النقد الأدبي.. ويترجم أعظم الأعمال المسرحية من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية.. ويتقلد أرقى المناصب الحكومية وأكثرها مسئولية.. فهو أول من وضع القواعد الحديثة لنظام امتحانات النقل النهائية في المراحل التعليمية .. وأول من شجع وساعد على تأليف الكتب المدرسية المحلية بدلاً من الكتب الأجنبية المقررة في مدارسنا إلى ما بعد الاستقلال.. كما كان رئيساً لمكتب التوجيه الفني.. وأول وكيل لأول وزارة للتربية والتعليم بعد الاستقلال.. وأول عميد لكلية التربية العليا عند افتتاحها في بداية السبعينات في عدن.

> وكان الأستاذ عبدالله فاضل فارع مربياً وأديباً وشاعراً وناقداً ومترجماً.. وقد ظل المعلم الأول أيضاً لمريديه من طلبته وأصدقائه في صالونه الأدبي في منزله بخورمكسر إلى أن انتقل إلى عمله في الجامعة العربية في مقرها بتونس سابقاً.. ثم عمل مستشارا لسفارتنا فيها.

> ولابد أن أصدقاءه وطلبته مازالوا يكبرون فيه قلبه الكبير.. وأن قلبه كان يتسع لكل الناس..ومازال يمتلئ بالمحبة والود والإخلاص لكل الذين عرفهم ولم يجدوا لهم مكاناً في قلوب الآخرين.

> وأنا أنتهز هذه الفرصة بمناسبة عيد الأضحى المبارك.. لأحني رأسي احتراماً لهذا الرجل.. الذي آمن برسالة العلم وأداها بصمت.. فله الشكر وعظيم التقدير على ماقدمه لنا بعمق وهدوء.. وكل عام وأنت طيب يا أستاذنا الجليل.. مع تمنياتي لك بالصحة والاستقرار وراحة البال>>

نشرت في 18 ديسمبر 2007

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى