المحافـظ الذي نريده لعدن

> محمد فارع الشيباني:

> في مصر بعد الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي ظهرت مجموعة من البشر اغتنوا أثناء الحرب، وكانوا قبلها فقراء لايملكون شيئا، فأطلق عليهم المصريون، المشهورون بأنهم أصحاب نكته، (أغنياء حرب)، وكان السبب الرئيسي في اغتناء هذه الشريحة من المصريين أنهم كانوا أثناء الحرب يزودون الجيش البريطاني المتواجد في مصر بالأغذية والخضار والمؤن اللازمة لهم، بينما أغلبية الشعب المصري يقاطع الإنجليز من شعور وطني باعتباره محتلا ومستعمرا لأرضهم ووطنهم.

وعندنا هنا ظهرت مجموعة يمكن أن يطلق عليها لقب (أغنياء وحدة)، فقد اغتنت هذه المجموعة مع بداية الوحدة، وكانوا قبلها مثلنا من البشر لايملكون شيئا، وكان معروفا أنه لم يكن في عدن من يمكن أن يطلق عليه غني، بل كان كثير من الذين تعينوا وزراء أو أصبحوا أعضاء مكتب سياسي أو لجنة مركزية يعيش في منزل عائلته، وكان يدور السبع دورات لكي يحصل على شقة لنفسه، وإذا زاد الخير أن يحصل على سيارة مستعملة، فقد كنا متساوين، ونحن نعرف بعض، ونعرف ما كان يملكه فلان، ومن منا حصل على بطاقة شركة النصر، التي كانت تعتبر امتيازا كبيرا، ولكن بعد الوحدة أصبح هناك من يملك فيللا في صنعاء وآخرى في عدن، والبعض يملك العمارات ويقوم بتأجيرها وبدلا من السيارة المستعملة أصبح يملك سيارات تحمل ألقاب من (أبودبة) إلى (مونيكا)، ولذلك يمكن أن نطلق عليهم لقب (أغنياء وحدة)، وأنا هنا لا أحسدهم ولا أحقد عليهم، بل على العكس أطلب من الله عز وجل أن يزيدهم من الخير، فهم في النهاية أبناء وطني، ولكن لا أقبل منهم محافظا على عدن.

أعتذر للقارئ عن هذه المقدمة، ولكنني رأيت أنها ضرورية قبل أن أوضح المواصفات التي نريدها لمحافظ عدن القادم، فنحن نريد محافظا ترعرع في أحد أحياء عدن، وعاش في أزقتها، لعب الكرة في حاراتها، وتنافس فيها مع الأحياء المجاورة له، وتخاصم وخرب وانضرب فيها، نام مع عائلته في ساحل (أبو الوادي)، وذهب يسبح في ساحل جولدمور وساحل العشاق، وذهب في رحلة للتجليب في عمران وساحل العارة، نريد محافظا صلى في مسجد العيدروس ومسجد الهاشمي، وزار الغدير، وتردد على بستان الكمسري ، نريد محافظا سار في ساحل أبين يبحث عن الحشائش التي كان يلقيها البحر وعن قواقع البحر ولسان البحر والصدف، نريد محافظا عاش معاناة الفقراء والمحتاجين، أهله في عدن، يعرف أغلبية المنازل في عدن، ويعرف من يملكها، ويعرف أن هذا المنزل هو ملك للعائلة الفلانية، يعرف أسماء العائلات الكبرى في كريتر والمعلا والتواهي والشيخ عثمان والبريقة، وقد يستغرب البعض لماذا أطالب بهذه المواصفات، وردي بسيط جدا، لأن شخصا تكتمل فيه هذه الصفات سيكون قادرا على معرفة ما يعانيه الناس في عدن من ظلم، سيقدر أن يقول إن هذا المنزل وهذه الأرضية هي ملك لعائلة فلان، إن هذا الشخص سيعرف من هي العائلات الفقيرة التي تحتاج إلى مساعدة، وسوف يقوم بمساعدتها، لأن شخصا يمتلك هذه الصفات سيتألم لألم أبناء عدن وسيفرح لفرحهم، وسوف يعمل المستحيل من أجل تطوير عدن وإعادة مجدها السابق، لأنه جزء من هذه المدينة التي أصبحت تئن وتتألم، وأما عن القدرة الإدارية لشخص يحمل هذه الصفات، فيكفي عدن فخرا أن جميع أبنائها إداريون أكفاء يتمتعون بثقافة يحسدون عليها.

طبعا هذا الكلام كله سيصبح لا معنى له إذا لم يكن المقصود من انتخابات المحافظين إلا الضحك على الذقون، بحيث تسن قوانين وأنظمة تعمل على إيصال من يراد له الوصول إلى منصب المحافظ وإبعاد غير المرغوب بهم، ومع الأسف هذا الذي يظهر حتى الآن، بدليل أن المحافظ لن ينتخب من أبناء المحافظة، بل من المجالس المحلية التي لم ينتخبها الشعب بإرادته الحرة، وكذلك الإصرار على أن لايكون المرشح من أبناء المحافظة فقط، بل من أي محافظة أخرى، فكيف ينتخب الناس شخصا لم يعش معهم، وفي أغلب الحالات لايعرفون عنه شيئا، اللهم احفظ عدن.. آمين يارب العالمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى