دوافع

> محمد عبدالله الموس:

> كنا في الطريق إلى صنعاء للمشاركة في مراسم دفن نجل أحد الأحبة، كانت سيارتنا قد سبقتها سيارات وتليها أخرى تحمل زملاء وأصدقاء وجيران وأقارب د.عدنان الجفري على الطريق الممتدة من الملاح إلى سناح، التي مررنا بها بعد منتصف الليل، لم نستطع حصر ظاهرتين هما النقاط العسكرية والمطبات الصناعية، المضحك المبكي في آن هو أول نقطة عسكرية تقابلك لدى قدومك من صنعاء، وتودعك عند ذهابك إلى صنعاء تقع على الخط الحدودي ما قبل الوحدة- تقريبا- بمنطقة سناح.

في إحدى هذه النقاط طلب العسكري إبراز بطاقات الهوية والشخصية، وحين أخذ بطاقتي تبين لي أنه حتى لم ينظر إلى الاسم، لأنه بعد نظرة سريعة إلى البطاقة قال مباشرة: «لودر؟!» وهو يمسك البطاقة بيد ويضرب بها على ظهر اليد الأخرى، وفيما كنت أسال نفسي: ترى أي توجيهات يحمّلون هؤلاء العساكر؟. كان عسكري آخر قد رأى بطاقة عمل صاحبي- المسئول المحلي- وتوقف عن مشاهدة بطاقات زملاء الرحلة، قائلا: «تفضلوا».

لو انتشرت هذه النقاط وبنفس الحماس في مواجهة ناهبي حقوق الغير وسارقي الممتلكات العامة من أثرياء الوحدة- كما أسماهم الزميل محمد فارع الشيباني- والمتلاعبين بأقوات ومصائر الناس لكانت كثير من المنغصات قد اختفت من حياتنا، وأصبحت دوافع حراك الشارع معدومة، فما نشهده من حراك هو نتيجة لسبب، والأولى أن يتم التعامل مع السبب، لا مع نتائجه.

حملة الأقلام والرؤى كالزملاء أحمد بن فريد وعلي الغريب وغيرهم يقبعون في السجون، وحملة مدافع النهب والتقطع ومعاول الهدم يسرحون ويمرحون ويعيثون في الأرض والناس فسادا.. غريب أمرنا!، كأننا نصر على أن نخرج العقلاء من معادلة التناصح، ونترك الأمر بأيدي من لايجيدون التباين المسالم الذي لايخلو منه مجتمع.

دافعنا للكتابة وتناول قضايا الوطن هو واجب الإشارة إلى مكمن الخلل، فالإيجابيات تتحدث عن نفسها، حرصا على الوطن ومستقبل الأجيال، فمن حقنا أن ننشد وطنا نفخر بالانتماء إليه، لكننا لاندري دوافع صحف (السفه) التي وصل بها الأمر إلى التعبير (بلغة المواخير) ومع ذلك لاتحرك الأجهزة المختصة ساكنا في مواجهتها، المضحك أن صحف (المواخير) هذه ليس لها من همِّ سوى مهاجمة الإعلام المسئول، وكأنها لاتطيق (استقامة) في خطابنا الإعلامي.

ربما هناك من يشير على رئيس الدولة بأن (اضرب!، فأنت لو استجبت لطلب سيطلبون غيره) ونحن نقول له لاتضرب!، بل اضغط على الأجهزة لتعالج المشكلات، فالوحدة بخير طالما جعلنا مصلحة الناس- كل الناس- مرتبطة بها، وحصنَّاها بقيم العدل وبالحكم المحلي كامل الصلاحيات، ورفعنا الضيم الذي أصاب أبناء محافظات الجنوب، وحمينا هذه المعالجات بإجماع من خلال حوار وطني شامل، فمشكلة اليمن الأزلية شمالا وجنوبا كانت تكمن في رفض الآخر، وهو ضد طبائع الأشياء، فمجتمع الفكر والصوت واللون والنظرة الواحدة ليس له وجود على وجه الأرض، لكن بالحوار والمفاضلة يصل الناس إلى قواسم مشتركة وقواعد تحترم التنوع وتصنع منه تناغما يرضي أطرافه.

لسنا بحاجة إلى سجون أو نقاط عسكرية لا حصر لها، وإنما إلى التأمل في دوافع حراك الشارع واتجاهات الرأي بشكل عام، ثم إن التمييز بين الغث والسمين والممارسات الانفصالية والداعين إلى وأدها وطالبي دولة النظام والقانون وأنصار قانون القوة ليس عسيرا.. وقلب المؤمن دليله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى