طوبى لوطن جداره البغض والإهانات

> محمد علي محسن:

> (عندما يكون بغضنا شديدا جدا فإنه يجعلنا أدنى من أولئك الذين نبغضهم).

بهذا القول لأروشنوكو نبدأ الحديث عن ثقافة الكراهية للآخرين أيا كان معتقدهم وجنسهم ولونهم، مخالفة لديننا وفكرنا ولساننا وثقافتنا وحضارتنا، فكيف إذا ما قلنا إن هذه الثقافة القائمة على البغض الشديد والأعمى يراد لها أن تكون نهجا وغاية للبعض، وفي مجتمعنا اليمني الواحد في ظل التجزئة والانقسام السياسي في كنف الدولة الواحدة؟

ما نشاهده في الوقت الحاضر من أفعال يقوم بها قلة من الصغار في السن تؤكد حقيقة واحدة وهي الإساءة للحق الذي ننشده ونسعى له جميعنا، إذ إن بعض السلوكيات النزقة والعدائية كانت قد أضرت كثيرا بالقضية الجنوبية، من حيث هي قضية كل وطني شريف وحر في البلد، وكذلك بقيمتها وعدالتها وسموها كقضية تستوجب النضال السلمي الحضاري الجدير بالتباهي.

ليس بوسع مثل هذه الممارسات المبغضة معالجة المشكلة الراهنة، وعلى العكس ستفتح أبوابا وطرقا لاتحصى من المشكلات، كما أن التصالح والتسامح مع الماضي لايستقيم أبدا مع ما نلمسه من تأسيس لدعائم الكراهية في الحاضر والمستقبل، ما حدث في الضالع وردفان أوعدن أو إبين أو غيرها من المحافظات الجنوبية تستلزم منا وقف هذه الأفعال قبل أن تنمو وتكبر بين جيل الشباب الذين هم بحاجة قصوى لثقافة التسامح ونبذ العنف والكراهية، بدلا من تغذية عقولهم وأفكارهم بالبغض أو التطرف المدمر والإقصائي لحق الآخر في الرأي والتعبير والوجود.

البغض سلاح الضعفاء والبغض هو انتقام الجبان وفق مقولة لجورج برناردشو، وبما أنه كذلك فلا ينبغي الاعتداد به كأصحاب حق وقضية ولديهم من القوة والشجاعة ما يغنيهم اللجوء لما يسيء لأنفسهم ونضالهم ومشروعهم الديمقراطي الحضاري.

ما رأيناه من مظاهر الاحتجاج لم تكن الأولى لهؤلاء الفتيان الغاضبين من كل شيء لمرات عدة، والمشهد يزداد ضراوة وحدة ومساحة على الأرض، وبين الشباب العاطل عن العمل أو التفكير لا فرق، الطريق العام صار لعنة على المدينة وأهلها وكل باحث عن لقمة العيش فيها أو عابر سبيل، ما من مشكلة إلا وتكون هذه الطريق عرضة للأعمال الفوضوية والهمجية والمهينة لكرامة المارين فيها أو لنا نحن المحسوبين على المدينة، دونما قدرة على وقف العبث الحاصل، أسال لماذا باتت الحجارة وألسنة اللهب وأدخنة الإطارات من مسلمات الأشياء في الشارع الرئيس؟!.

لكن وقبل أن أكمل هذا الموضوع في نقد تلك الأفعال الخاطئة الصادرة عن أناس هم في الأساس ضحايا الجهل والفقر والخطاب الأحادي المدمر، وإذا بنا أمام ممارسات كريهة ومقيتة ترتكب من الجهات المسئولة في الدولة على المواطن العادي والسياسي والإعلامي والمحامي والطريق العام والوحدة الوطنية وغيرها من الأشياء والحقوق المهدرة، هذه المرة ومن جهتين مسئولتين عن أمن المواطن وحماية وطنه.

من حسن الحظ أنني أبقيت المقالة دون إتمام، وكأنما الأقدار شاءت الانتظار يوما حتى تنكشف المسألة على سوءتها وقبحها الحقيقي بدلا من حمل الفتيان كل مترتبات ما حدث.

هاهي الدولة بقوتها وعتادها وجبروتها تفعل ماهو أقبح من قذف الحجارة ورفع أعلام الانفصال وقطع الطريق، ما عاد ينفع الكلام حول ثقافة الوحدة الوطنية أو التسامح أو النضال السلمي الحضاري إذا كانت أجهزة الدولة هي من تجسد البغض والفرقة!.

تصورا كم من مواطن أعزل ضرب بالهراوة أو سحل وسط قومه، وكم أناس لاقوا ما لاقوا من الرصاص والإهانات للكرامة، ومن السباب والألفاظ العصبية والمناطقية.

ليس كل الناس ملائكة، نعم، ولكن ثمة فارق بين متظاهر في الشارع وبين رجل يمثل الدولة لا منطقته وعشيرته.

ماذا بوسعي قوله نحو فئة ضالة بخطابها وأفعالها، إذا كان الأمن والجيش ضالين عن واجبهما ومهمتهما عند مداهمة منزل إنسان مسالم مثل الأخ عبدالحميد طالب سكرتير منظمة الاشتراكي أو المحامي محمد مسعد العقلة عضو المجلس المحلي، وقع التكسير لبوابة الأول مايزال في أذني منذ لحظة سماعي إياه عبر الهاتف عند أذان الفجر، وحصانة الآخر منتهكة بأقدام العسكر.

وهنالك من التجاوزات ما هو أفظع من ردة فعل غاضبة، وتؤسس للحقد والكراهية، لعل قطع الطريق واحدة منها، واعتقال الناس بحسب مناطقهم وانتماءاتهم تاليا..

فطوبى لبناء جداره البغض والإهانات!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى