البلد من غير (ستوب كاك)

> جلال عبده محسن:

> فوجئ الفيلسوف الأمريكي الكبير جون ديوي (1859 - 1952) عند عودته إلى بيته في المساء بالمياه تغرق حمام البيت، وابنه الصغير الذي لم يتجاوز التاسعة يجلس على الأرض، وقد ابتلت كل ملابسه، يحاول جاهدا أن يوقف تدفق الماء من المواسير المتآكلة.

وراح الفيلسوف الكبير يتطلع حوله باهتمام، ثم عقد يديه فوق صدره ووقف يفكر، وفجأة تطلع الابن فرآه واقفا في مكانه لايبدي حراكا، فقال: اسمع يا أبي، ليس هذا وقت الفلسفة، اخلع ملابسك وتعال لتعاونني في إنقاذ البيت من الغرق، ولعله كان يفكر بعمق في تلك اللحظة متمنيا لوكان في البيت صمام للتحكم (stopcock)، أو أنه كان عاطلا يجنبه الحل المؤقت والعشوائي لإيقاف تدفق المياه.

ولطالما ظل الفساد ينخر في جسد البلاد حتى أصبحت أوصالها متهالكة، تتعامل معه السلطة بالطريقة نفسها في وقف استنزاف ثروات البلاد عندما تتفجر من خلالها قضايا فساد بين الفينة والأخرى، وتنظر إليه على أنه ظاهرة عالمية لاتقل عالمية عن قضيتي الإرهاب والغلاء، وإن كانت تطلق معها الأنين والصيحات للمواساة، كلما وجدت نفسها في موقف حرج إزائها، لاتتعدى هذه الصيحات حدود الألفاظ التي تتلفظ بها، وبقيت حجرا عثرة وعائقا أمام تحقيق التقدم لمجتمعنا، وبعد انقضاء 18 عاما من عمر الوحدة، عجزت خلالها السلطة والحكومات المتعاقبة عن مكافحة الجريمة الاقتصادية ونهب المال العام، بل وتسامحها مع بعض كبار موظفي الدولة في ذلك الأمر الذي نجح في ظله ضعاف النفوس ممن وجدوا في استغلال الوظيفة العامة وسرقة المال العام فرصة لتحقيق ثراء فاحش وسريع وبأقصر الطرق وعلى حساب مصلحة الاقتصاد القومي للبلاد، بينما غالبية الشعب يعانون شظف العيش وارتفاع الأسعار التي تهددهم بالحرمان حتى من العيش الحاف، وبدلا من مواجهته بكل حزم ومصداقية لاجتثاثه والقضاء عليه، فإن السلطة تداري ضعفها بتبريره بالأسطوانة المشروخة بأن العالم كله يشهد الفساد، بل وأكثر.

والأمر المحير أن الحلول أمامنا، وليست مستعصية، ولكن المشكلة أننا دائما ما نتأخر عن اتخاذ القرار في الوقت المناسب تتفاقم معها المشكلة وتزداد صعوبة الحل، ويظل المشهد مالوفا أمامنا ونحن نرى كميات الفساد تتسرب في كل الاتجاهات من تلاعب ونهب للثروات والنفط والآثار وسرقة المال العام والغش والتدليس والتصرفات غير القانونية مضرة بالاقتصاد الوطني، وما مظاهر التفكك والترهل التي تعتري مختلف نواحي حياتنا إلا انعكاس لذلك، وصلت إلى درجة من السوء يصبح السكوت عنها نوع من أنواع التواطؤ.

وما أحوجنا اليوم إلى جهة حازمة للتصدي للفساد، والأمر ليس بحاجة إلى أكثر من (ستوب كاك) لإيقاف عبث العابثين، وتقديمهم للمحاكمة يكون بمثابة صمام أمان للتحكم، ويعمل بمهارة عالية مثل الذي كان مستخدما حتى العهد القريب، ومن النوع (الإنجليزي)، ينقذ البلد من الغرق، وليس من النوع (التايوان)، فقد ضاع الكثير، والوقت ليس في صالح الجميع.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى