الهروب إلى المستحيل!

> سيف العسلي:

> لسوء حظ اليمن أنه ابتلي بمعارضة غير متوازنة تسعى بكل ما في وسعها لدفعها للهروب إلى المستحيل، ولذلك فإنها تقاوم كل جهد للولوج به ألى مستقبل أفضل. إنني أعي جيداً أن هذا التصنيف قوي جداً وبالتالي فإنه لابد من طرح أدلة قوية عليه.

ولذلك فإني لن أدخل في شرح وتحليل الأسباب التي دفعتها إلى ممارسة سلوك كهذا، فقد أعود إلى ذلك في المستقبل إن شاء الله بعد أن أثبت بما لا يدع أي شك أن سلوك كل من أحزاب اللقاء المشترك ومن يلف حولها من الشخصيات السياسية العجوزة هو في الحقيقية كذلك.

إن تجاهل هؤلاء القنوات الدستورية والديمقراطية للوصول إلى السلطة سلماً وإصرارهم الشديد على أن اليمن يواجه أزمة خطيرة تتطلب الالتفاف على الديمقراطية والدستور هو أقوى دليل على ما أقول. إن المؤشرات الموضوعية كلها وبدون استثناء تشير إلى أن اليمن مستقر وبالتالي لا داعي للتعجل. فدليلهم الوحيد على دخول اليمن في أزمة خطيرة هو وجود معارضة مأزومة.فما من بلد ديمقراطي إلا وفيه معارضة. أما كون المعارضة اليمنية مأزومة فهذه مشكلتهم وحدهم. فإنكار هؤلاء للممارسات الديمقراطية مثل حرية الرأي وحرية التنظيم وحرية النقد أمر يكذبه الواقع. إن ذلك يدل بأن أزمة المعارضة اليمنية ليست نابعة من أزمة وطنية بقدر ما هي نابعة من أزمة ذاتية سببها ممارسة الشمولية لفترة طويلة. إن معالجة أزمة المعارضة هذه لا تتم من خلال الهروب إلى المستحيل وإنما من خلال المعالجات الواقعية القابلة للتحقيق.

إن ذلك لا يعني عدم وجود اختلالات ومشاكل على المستوى الوطني لكنها لا تبرر للمعارضة تضخيم الأمور وإخراجها عن إطارها الصحيح.. فاليمن كأي دولة في العالم يعاني من بعض المشاكل والاختلالات. لكن الدول الأخرى تعاني هي كذلك وأتحدى هؤلاء أن يشيروا إلى دولة واحدة لا تعاني من مشاكل فيها بشكل أو بآخر. فوجود مظاهرات في أمريكا ضد الحرب في العراق لم يجعلها دولة فاشلة. ووجود بقايا للنازيين في ألمانيا والفاشيين في إيطاليا لم يبرر وصفهما بأنهما غير ديمقراطية. ومعاناة بعض السكان فيما كان يسمى بألمانيا الشرقة لم يبرر الدعوة لإعادة النظر في الوحدة الألمانية. وارتفاع الأسعار في مصر لم يدفع المعارضة فيها إلى المطالبة بفصل الصعيد عن بقية أجزاء مصر.

الدليل الثاني هو أننا لو سلمنا جداً بصدق ادعائهم بأن اليمن يعاني من أزمة خطيرة فإن ذلك كان من المفترض أن يدفعهم إلى تقديم الحلول التي يرونها ناجعة لها. لكن ما حدث في الواقع كان عكس ذلك تماماً. إن ذلك يدل إما على أنهم في قرارة أنفسهم لا يصدقون ما يدعون أو أنهم لا يحرصون على مصالح الشعب. وفي كلا الحالين فإنهم يمارسون الكذب والتضليل. ولم تكتف بذلك فهي تعارض كل شيء يصدر من الحكومة بحق أو بدون حق. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن ما تقدمه من مقترحات تخلق أزمات جديدة أو تعمل على تصعيد الاختلالات العادية إلى أزمات. فعلى سبيل المثال فإن محاولتهم التشكيك في الوحدة اليمنية لا يعالج أي شيء وإنما يعمل على خلق أزمات قد تم تجاوزها بثمن غال جداً. إن اتهامهم للتعددية القائمة بأنها شكلية وأن الحرية مقيدة وعدم إذعانهم لإرادة الشعب اليمني الذي عبر عنها في العديد من الانتخابات يؤثر سلباً على الاستقرار السياسي الأمر الذي لا يساعد على زيادة الاستثمارات الداخلية والخارجية. إن احتقارهم للدستور من تعمد رفعه في وجه الحكومة واختراقهم له يومياً بدون حياء أو خجل يعرقل عملية التراكم الديمقراطي. وكذلك فإن تصويرهم أن كل تصرفات الحكومة فاسدة في حين أنهم يشجعون على ممارسة الفساد مثل كون قياداتهم وقواعدهم تتقلى مرتبات من الحكومة وهي لا تعمل في أماكن عملها يعرقل عملية محاربة الفساد.

والأكثر أهمية من ذلك أن خطاباتهم السياسية والإعلامية تمثل سلوك الهروب إلى المستحيل أبلغ تمثيل. فبدلاً من العمل على تطوير النظام القائم فإنهم يصرون على تغيير النظام. ولا شك أن ذلك يتناقض مع الدستور القائم والقوانين المعمول بها وقواعد السلوك السياسي السليم. فمن حق الحزب الفائز في الانتخابات في أن يستمر في الحكم حتى يتم إقصاؤه منه بواسطة الانتخابات.

إنهم لا يتقدمون بمطالب محددة ومعقولة. وعندما يتم الاستجابة لمطالبهم فإنهم ما يلبثون أن يطرحوا مطالب تعجيزية جديدة. إن ذلك يدل أن هدفهم ليس الحرص على الحقوق وإنما استخدامها لتحقيق مكاسب سياسية غير مشروعة ومضرة بالمصلحة الوطنية. فعلى سبيل المثال فإن المطالبة بحقوق المتقاعدين تحولت إلى مطالب غير مقبولة مثل العودة إلى ما قبل 30 نوفمبر 1967 أو إلى 22مايو 1990 أو إلى ما قبل 7 يوليو 1994 أو إلى ما قبل الانتخابات البرلمانية لعام 1997. إن الاستجابة لمثل هذه المطالب مستحيلة لأن الأوضاع قد تغيرت فلم يعد الاستعمار البريطاني موجوداً حتى يتم المطالبة بالعودة إلى ما قبل 30 نوفمبر عام 1967 ولم تعد الشمولية والأفكار الشيوعية والاشتراكية مقبولة لا في اليمن ولا في العالم حتى تمكن العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990. ولقد ترتب على الاستفتاء على الدستور الدائم عدم شرعية أي تقاسم سياسي لا يستند إلى نتائج صناديق الانتخابات. لقد تحول المجتمع اليمني والنظام السياسي بشكل جذري جعل من الضروري أن تكون التحالفات السياسية قائمة على احترام العلنية والشفافية والرأي العام مما جعل العودة إلى ما قبل 27 أبريل 1997 غير ممكنة.

إن الترويج لشعار القضية الجنوبية أمر لا يخدم أحداً لا في الجنوب ولا في الشمال ولا على المستوى الإقليمي وعلى المستوى الدولي و مع ذلك يتم استخدامه للحصول على مكاسب سياسية غير مشروعة. إن تبريرهم لاعتمال العنف على أساس أنها نضال سلمي أمر يتناقض مع أبسط قواعد المنطق والبديهيات. إن ادعاءهم بأنهم هم وحدهم قادرون على إنقاذ البلاد أمر يتناقض مع أبسط السنن الطبيعية فإذا فشلوا عندما كانوا في أوج شبابهم وفي ظل تحالفات دولية لصالحهم فما الذي سيجعلهم ينجحون الآن وقد بلغوا من العمر عتيا وقد تخلى الجميع عنهم؟

فالسياسات الاقتصادية التي يقترحونها تتصادم مع قوانين الاقتصاد وبالتالي فإنها مستحيلة. إن مطالبتهم بتخفيض الأسعار سياسة مستحيلة وسياسة ضررها أكبر من ضرر سياسات تخفيض الراتب واجب. وكذلك فإن مطالبتهم بتوظيف العاطلين يعني المطالبة بتأميم القطاع الخاص بهدف توفير وظائف للعاطلين. لا شك أن ذلك هروب إلى المستحيل فهذه السياسة لم تنجح إبان حكم الحزب الاشتراكي لأنها ولدت الفقر والظلم وبالتالي الإفلاس.

لا شك أن ذلك هروب إلى المستحيل. وبدلاً من ذلك فإن عليهم الاحتكام إلى الشعب. فإذا كان اليمن في أزمة خطيرة كما يزعمون فإن فرصتهم بالفوز في الانتخابات القادمة ستكون كبيرة جدا ولذلك فإن عليهم الانتظار وخصوصا أنه لم يبق على حدوثها إلا فترة قصيرة تقل عن سنة.

فليس من مصلحتهم ولا من مصلحة الشعب السعي إلى إحداث أي أزمات. فحتى في حال حدوث المفاجأة وصوت لهم غالبية الشعب فإنهم سيكتوون بنار الأزمات التي يحاولون إشعالها. فسيجدون أنفسهم في اختبار صعب إذ إنهم سيضطرون إلى الكذب والتضليل، ولن ينفعهم خطابهم الدعائي في تصوير اليمن الذي كانوا يصورونه على أنه بلد يعاني من كل الأزمات قد أصبح في ليلة وضحاها بلداً يعيش في الفردوس.

إن مساعدة اليمن للولوج إلى مستقبل أفضل تتطلب بدلاً من ذلك أن يساعدوا في إنجاح تجربة الحكم المحلي وترشيد الخطاب السياسي والإعلام من خلال ترسيخ الثوابت الوطنية (الوحدة والديمقراطية) مهما كانت الخلافات السياسية. فقد كان عليهم العمل على الرقي بالخطاب السياسي في الانتخابات البرلمانية القادمة بما يعمل على الولوج في نقاش بناء يقوم على الاحتكام للمصلحة الوطنية من قوة الحجة وتناسق المنطق بدلاً من الاستهتار بذلك.

إن ذلك يتطلب السعي لجذب الاستثمارات والمساعدات والقروض للدفع بعملية التنمية إلى الأمام بخط أسرع وأثبت. إن ذلك يحتم عليهم التحاور مع الحكومة بهدف التعاون لأنجاز الإصلاحات الضرورية مثل الاصلاحات المالية والاقتصادية وإصلاح الخدمة المدنية وإصلاح القضاء وتحسين أداء شبكة الأمان الاجتماعي.

إذا كانوا لا يقدرون على ذلك فعليهم اعتزال الحياة السياسة وترك المجال للقيادات الشابة. فالإصرار على التمسك بالمناصب الحزبية وعلى ممارسة السياسة حتى الممات هو هروب إلى المستحيل والمستحيل لا يفيد أحداً لأنه ببساطة لا يتحقق. فهل يتعظون؟ نأمل ذلك من إعماق قلوبنا لأنه خير لهم ولنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى